ملك مقرّب ولا نبيّ. وقد يفاض منه شعاع على الغير ، وهو تابع لقدر الإفاضة كمّا وكيفا. كما أنه لا يختصّ بعالم دون عالم ، فإن الإشعاع أزلي وأبدي والنفوس المستعدّة تستفيض من ذلك الإشعاع بقدر القابلية ، ويصحّ أن يكون رضوان الله تعالى إشارة إلى ذلك الإشعاع ، ولعلّ الله تعالى يوفّقنا لتفصيل المقام في مستقبل الكلام إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك يعلم أنه لو جعل العبد غاية عباداته الوصول إلى رضوان الله تعالى ، كانت من أكمل الغايات وأحسنها.
وحبّ الشهوات هو من أغلظ الحجب الظلمانيّة بين العقل وادراك الحقائق النوريّة والمعارف الربوبيّة ، بل هو نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، لأن منشأ الحبّ هو القلب ، فإذا كان متعلّقا بالأهواء الباطلة والشهوات ، يصير القلب كخرقة بالية منغمرة في دار الغرور ، محجوب عن منبع الجلال والنور ، فإنها لا تعمي الأبصار ، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ، فيضلّ عن الصراط المستقيم ، ولا غاية بعد ذلك إلا سواء الجحيم. فلا غاية لإعمال الشهوات المذمومة إلا العار والنار ، فإن حقيقة الإنسان الكاملة ـ التي هي كالصورة لجميع العوالم الإمكانيّة ـ لم تعرف بعد ولن تعرف ، وإن بذل العلماء المحقّقون من الفلاسفة الإلهيين وغيرهم جهودهم ، وصرف العرفاء الشامخون طاقتهم فيه ، لأنها أعظم سرّ الله تعالى في الخليقة ، وهي من أجلّ مخلوقاته في جميع العوالم الربوبيّة ، ولا بد في عرفانها من العكوف على بابه والتماس ذلك من وجهه وكتابه ، ومثل هذه الآيات المادحة لمقام التقوى والشارحة لها ، تشير إلى لمعة من لمعات ذلك النور الحقيقي ، فكما أن للتقوى والعبوديّة لله عزوجل مراتب ، كذلك للإنسانيّة الكاملة ، بل مراتبها تدور مدار العبوديّة الخاصّة ، وكلّ ما قالوه العرفاء من وحدة الوجود والموجود وأمثال ذلك في تعبيراتهم ، إن رجع إلى ذلك فلا باس به ، وفي غير ذلك يرد علمه إليهم.
وكلّ الذي شاهدته فعل واحد |
|
بمفرده لكن بحجب الأكنة |
إذا ما أزال الستر لم تر غيره |
|
ولم يبق بالأشكال إشكال ريبة |