والمشهود به والشهادة ، وفي ذلك ظهرت الوحدة في الكثرة ، والكثرة في الوحدة ، ولا حدّ لمثل هذه الشهادة في العظمة والبهاء والجلالة ، تخرّ لها الكائنات خضّعا سجّدا ، ولا يمكن للعقل أن يدركها ويحدّها بحدّ ، وليس له إلّا الاعتراف بالخضوع والتسليم ، وفيها من الجذبة الروحانيّة وابتهاج الذات ما لا يخفى ، وهي أعظم آية تدلّ على التوحيد ، وبها صارت هذه السورة الحدّ الفاصل بين التوحيد والشرك ، وقد اختصّت هذه الآية بمزية لا توجد في غيرها. وسيأتي في البحث الروائي ما يتعلّق بذلك.
الثاني : يستفاد من إطلاق الآية الشريفة أن الشهادة إنما تكون بالقول وبالفعل وبالذات في التوحيد ثابت في مرحلة الذات والصفات والأفعال ، فإن أفعاله المقدّسة تدلّ على أنه لا إله إلّا هو ، كما تقدّم.
ومن ذلك يظهر بطلان القول أن الشهادة في المقام إنما تحمل على المعنى الاستعاري ، وهو أن وحدة الحاجة في جميع خلقه وجمال النظام يدلّان على وحدة الصانع ، فتكون هذه الوحدة بمنزلة نطقه وإخباره تعالى. واستند في ذلك على أن حمل الشهادة على الشهادة القوليّة يستلزم الدور ، لأن إثبات التوحيد بهذه الشهادة يقتضي أن يكون أمره مستندا إلى النقل دون العقل ، وهو يتوقّف على صحّة وحي القرآن وحيا إلهيا ، وهو متوقّف على التوحيد ، وهو دور.
وجه البطلان أن وحدته تبارك وتعالى ثبتت بالأدلّة العقليّة والبراهين القطعيّة ، لا بمجرّد القرآن. فنقول : وحدته تعالى ثبتت بجميع الكتب الإلهيّة ، مع أن النقل إرشاد محض إلى حكم العقل في جميع المعارف الإلهيّة ، والنقل لا يفيد حكما مستقلا في نفسه وإنما يقرّر حكم العقل.
وإذا ثبتت صحّة الشهادة من الله تعالى ، لأنّه لا يتصوّر في حقّه الكذب والزور ، بل هو منزّه عن كلّ باطل ونقص ، فتكون شهادته حقّا بحقّ وأن إخباره عن الملائكة وأولي العلم حقّ وتثبت شهادتهم.
ويظهر من سياق الآية الشريفة أن التوحيد وهو المقصد الأسنى ، وله من