الثاني : أن الآية الشريفة : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) ، تشمل كلّ من يدعى إلى كتاب الله ليحكم بذلك في ما بينهم ثم يتولّى عن ذلك ، سواء كان من اليهود أم النصارى أم من غيرهم ، فلا تختصّ بملّة دون اخرى ، ويكون إظهار الحقّ واجبا عقليّا ، والإعراض عنه قبيحا كذلك ، فضلا عن جحوده وتلبيس الأمر على الناس ، كما أن عموم الآية المباركة يشمل الدعوة إلى اصول الدين وفروعه.
الثالث : تشير الآيات الشريفة إلى حقيقة اجتماعيّة ، وهي أن العصبية والأهواء الباطلة توجبان البعد عن الحقيقة والإعراض عن الحقّ ، فلا تنفع المواعظ والزواجر ، بل تزداد بعدا واستكبارا وإعراضا حتى تتمكّن في قلوبهم ، فيكون من الجهل المركب ، الذي هو داء ليس له دواء.
الرابع : إنما أجمل سبحانه الداعي إلى كتاب الله لبيان أن الداعي إلى كتاب الله والمدعو إليه والمدعو به واحد ، والفرق إنما هو بالاعتبار ، كلحاظ مرتبة إنشائه والاعتقاد به والعمل به أو غير ذلك ، وليشمل جميع من يدعو إلى كتاب الله علما وعملا على مرّ العصور.
الخامس : يستفاد من قوله تعالى : (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ، أن سبب التولّي عن الحقّ وعدم الإيمان به إنما هو الإعراض المتمكّن في نفوسهم ، الذي صار عادة لهم في نبذ كلّ دعوة إلى الحقّ ، وأن سبب هذا الإعراض إنما هو الجهل المركب الناشئ من اختلال الطريقة وفساد العقيدة والعصبية والافتراء على الله تبارك وتعالى ، كما تقدّم في الآيات المباركة السابقة.
السادس : إنما أضاف سبحانه وتعالى الجمع إلى نفسه في قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) لانحصاره به عزوجل فقط ، وأن ذلك تحت قدرته تعالى.
كما أنه أتى بالمجهول في قوله تعالى : (وَوُفِّيَتْ) ، لبيان أن الجزاء إنما هو نتيجة أعمالهم الحاصلة من كسبهم ، وأنه معلول نفس العمل بلا مدخليّة شيء آخر.
السابع : يستفاد من قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) ،