حيث يتسلّط الضوء وتذهب الظلمة ، ونزع الملك نحو حزازة ومنقصة بالنسبة إلى من ينزع عنه ، فيكون من قبيل تسليط الليل على النهار وإذهاب الضوء.
وفي الآية الثانية ذكر إيتاء العزّة لمن يشاء ، وقال جلّ شأنه (تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) ، وهو نوع من الحياة ، فإن العزيز له نحو حياة عند المجتمع ، والإذلال نحو من الموت عندهم ، وهذا ممّا يناسب قوله تعالى : (تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ).
الرابع : جمع سبحانه وتعالى في هذه الآيات بين أربعة من الأمور التكوينيّة ، وهي : إيلاج الليل في النهار وبالعكس ، والموت والحياة ، وأربعة من الأمور الاجتماعيّة ، وهي : إيتاء الملك ونزعه والعزّة ، والذلّة ، وهذه الأمور الثمانية يناسب أحدها الآخر ، فإن إيتاء الملك ونزعه يناسبان الليل والنهار ، والعزّة والذلّة تناسبان الحياة والموت.
وذكر : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ، لبيان تسلّطه على هذه الأمور الاجتماعية ، و (تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، لبيان تسلّطه على الأمور التكوينيّة ، فكانت المقابلة بين هذين الأمرين أيضا من هذه الجهة. ويجتمع الجميع في الحياة بالمعنى الأعمّ ، أي الحياة الفردي والاجتماعي ، ويستلزم ذلك الاقتدار على مقابلها وهو الموت ، لأن القدرة على شيء يستلزم القدرة على نقيضه أيضا ، وإلّا لا معنى للقدرة.
الخامس : إنما عبّر سبحانه وتعالى في هذه الآيات المباركة بالمشيئة دون الإرادة ، لأن إرادته المقدّسة من صفات فعله ، والمشيئة مقدّمة على الإرادة ، فبيّن تعالى أن إيتاء الملك ونزعه والعزّة والذلّة داخلة تحت مشيئته ، والأسباب الظاهريّة التي تبذل في طلبها ليست علّة تامّة لحصولها.
السادس : إنما ذكر تعالى العزّة والذلّة دون غيرهما من الأمور الدائرة في الاجتماع ، كالغنى والفقر ونحوهما ، لأن لهما مصاديق كثيرة ، تشملان جميع شؤون الدنيا ، وفيه ردّ على مزاعم أهل الكتاب من طلب العزّة بغير الله تعالى.
السابع : إنما اقتصر سبحانه وتعالى على ذكر الخير فقط ، لأن المقام مقام تعليم الدعاء والثناء عليه والتعريض بالبشرى به ، ولا معنى لذكر الشرّ ، مع أننا