صفات الفعل. أما في الإنسان فيصحّ أن تعدّ من صفات الفاعل ، كما يصحّ أن تعدّ من صفات الفعل ، ولا محذور فيه من عقل أو نقل ، فيقال : فاعل مريد ، وفعل مراد ، وفاعل مقدّر (بالكسر). وفعل مقدّر (بالفتح) ، خصوصا في العلم الذي لا إشكال فيه من أحد أنه من صفات الفاعل في الخالق والمخلوق ، وكذا القدر والقضاء والإبرام ، إما باعتبار منشئهما وهو العلم الاحاطي الأكمل والحكمة البالغة ، أو باعتبار إضافتهما إلى الممكن المخلوق ، فلا ريب في كونهما من صفات الفعل.
وأما بالنسبة إليه تعالى ، فما كانت مستلزمة للتغيير والتبدّل فمن صفات الفعل ، وما لم تكن كذلك فمن صفات الذات.
وأصل الإشكال الذي ذكروه في عدم إمكان جعل المشيئة والإرادة من صفات الذات ، أن الإرادة علّة تامّة منحصرة لحصول المراد ، فإن كانت في مرتبة الذات فيلزم إما تعدّد القدماء ، أو كون الذات المقدّسة محلا للحوادث ، وكلّ منهما مستحيل. وقد اثبتوا امتناع كلّ ذلك بالبراهين المتقنة.
ولكن يمكن الجواب عن ذلك.
أولا : بأن علّية الإرادة لحصول المراد إنما تكون في الفاعل الموجب (بالفتح) ـ أي الفاعل غير المختار ـ دون الفاعل العالم المختار ، الذي تكون الإرادة فيه من المقتضيات ، كسائر أسباب الفعل فلا يلزم محذور فيه أبدا ، خصوصا في الإرادة الأزلية ، فالاختيار في الفعل والترك ، والقدرة القهّارية باقية قبل الإرادة وحينها وبعدها ، وحين حصول الفعل أيضا ، ولعلّ إحدى مصالح جعل البداء لله جلّ جلاله ترجع إلى ذلك ، حيث قال تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [سورة الرعد ، الآية : ٣٩].
وثانيا : أنه على فرض كون الإرادة علّة تامّة لحصول المراد ، ولكن العلّية لا تكون على نحو الجزاف ، بل هي على نحو منظم بالنظام الأحسن الأكمل الأتم ، فإذا أراد جلّت عظمته خلق آدم ـ وهبوطه ، أو طوفان نوح ، وبعثة نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وقيام الساعة ، وجزاء أهل الجنّة والنّار ، بل جميع العوالم الطولية والعرضية ، يكون