نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «من تشبّه بقوم فهو منهم» ، وفي الحديث القدسي : «لا تسكنوا مساكن أعدائي ، ولا تلبسوا ملابس أعدائي فتكونوا أعدائي» ، وفي الحديث : «ليخرجن ناس من قبورهم على صورة القردة بما داهنوا أهل المعاصي ثم وكفوا عن علمهم وهم يستطيعون» ، أي قصّروا ونقصوا عن علمهم.
و (من) في قوله تعالى : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) للابتداء ، ومادة (دون) من الدنو ، وهو إما في المحل ، أو في الحال ، أو في العمل ، وقد اشتهر استعمالها في ظرف المكان ، وتتضمّن معنى الغيريّة مع الإشعار بأن المورد الذي أضيف إليه (دون) فيه نحو دناءة وسفالة بالنسبة إلى غيره. قال تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة المائدة ، الآية : ٧٦] ، وقال تعالى : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٦] ، ولا ريب في دناءة كلّ ذلك بالنسبة إلى الله تعالى. وقال جلّ شأنه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء ، الآية : ١١٦] ، أي ما سوى ذلك الذي ممّا هو أدون حزازة من الشرك والكفر.
والمعنى : لا يعدل المؤمنون بولايتهم عن المؤمنين إلى الكافرين ويتّخذوهم أولياء في المحبّة والنصرة والعمل ، فإن الكافرين أدون مكانا وأسفل درجة من المؤمنين ، الّذين هم أعلى مكانا وأشرف رتبة ودرجة.
ويستفاد من الآية الشريفة أن سبب النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين هو الإيمان والكفر ، اللذين بينهما غاية التباعد والتنافر والبينونة ، بحيث أن كلّ من يقترب إلى أحدهما يبتعد عن الآخر بمقدار ما اقترب من الأوّل ، بل قد يوجب الاتحاد وفساد الآخر ، لما عرفت أن الولاية قد توجب الاتحاد والاعتماد ، فإذا تولّى المؤمن الكافر أوجب ذلك فساد إيمانه والابتعاد عن الله تعالى ، كما نبّه على ذلك في ذيل الآية المباركة : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ).