هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠٨] ، فإن سبيله الدعوة إلى الله عن بصيرة وعلم ، والإخلاص له ونبذ كلّ ما يشغله عنه عزوجل ، ومن كان متّبعا له صلىاللهعليهوآله ، لا بد أن يكون كذلك. وهذا هو أفضل مراتب الحبّ وكلّ ما أزداد الشخص عرفانا بالله العظيم ، ازداد محبّة له عزوجل.
وهو ذو مراتب متفاوتة ، آخرها الفناء فيه ثم البقاء به ، ولا يحصل إلا بمتابعة سيد الأنبياء صلىاللهعليهوآله ، والجامع بين جميع تلك المراتب هو الحبّ لله ، وفي الله ، وكلّ ما كان الحبّ أشدّ كانت السعادة أتمّ وأعظم. وهذا هو الدين الخالص الذي أمرنا به ، وهو الدين الذي يندب إليه الأنبياء العظام ، وقد وصفه تعالى بالخضوع والتسليم والإخلاص في كتابه المجيد ، فقال جلّت عظمته : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩] ، وقال تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) [سورة الزمر ، الآية : ٣] ، وهو الذي تدعو إليه الفطرة ، قال تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [سورة الروم ، الآية : ٣٠] ، ولأجل ذلك عقّب سبحانه وتعالى بأنّ محبّة العبد لله لا تتحقّق إلا باتباع هذه الشريعة التي تضمّنت جميع أسباب المحبّة له عزوجل.
ومن ذلك يظهر أن ذكر الآية الشريفة بعد نهي الله سبحانه وتعالى موادّة الكفّار والمشركين أن الاتباع لهذه الشريعة لا يحصل إلا بنبذ تولّي الكفّار ، وأنه مع محبّة الله أمران متضادان لا يجتمعان في قلب امرئ ، وممّا يؤكّد ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [سورة الجاثية ، الآية : ١٨ ـ ١٩] ، فإن المستفاد منه أن ولاية الله إنما تثبت للمتّقين المطيعين لله والرسول والمتّبعين شريعته ، وغيرهم خارجون عن ولايته تعالى ، التي لا تحصل إلا بحبّ الله عزوجل ونبذ كلّ ما يوجب الخروج عنه.