تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) ، الواردات القلبيّة ، التي ترد على قلوب أوليائه تعالى ، فيكون المراد بالإخفاء عدم إذنه تعالى في إنشائه وإظهاره كجملة من أسرار القضاء والقدر ، والمراد من الإبداء إذنه في ذلك ، فإن الله سبحانه وتعالى يحول بين المرء وقلبه ، قال عزّ شأنه : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [سورة الأنفال ، الآية : ٢٤] ، فتكون جميع تلك الخاطرات والواردات مورد علمه ومشيئته وإرادته بنحو الاقتضاء لا بنحو العلّيّة التامّة حتّى يلزم المحذور من الجبر وأمثاله ، فإن قلوب الأولياء من أجلّ مشارق أنوار الغيب ، وفي القدسيات : «لا تسعني أرضي ولا سمائي ، بل يسعني قلب عبدي المؤمن» ، لأنّ إيمان المؤمن بالله تعالى يجعل قلبه متّصلا بما لا يتناهى له من كلّ جهة ، فيخرق حجب الإمكان إلى أن يصل إلى مرتبة لا يمكن تحديدها. وفي الحديث سأل موسى عليهالسلام ربّه فقال : «أين أجدك يا رب؟ فقال تعالى : إني عند القلوب المنكسرة» ، أي كسرها حبّ الله جلّ جلاله ، وجبرها تجلّي المحبوب فيها ، فكسرت الهيبة الإيمانيّة جميع الحجب الظلمانيّة ، بل الجهات الإمكانيّة ، فاتصلت إلى معدن النور ومنبع الخير والسرور ، فاستعدّت للإشراق فأشرقت عليها المعارف الحقّة والعلوم الغيبيّة ، ممّا لا يعقل تحديدها بالكلام ولا يمكن تحصيلها بالجهد والإلمام ، وهو على كلّ شيء قدير. وللكلام تتمة تأتي في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى ، فحينئذ الآية المباركة تختصّ بالمؤمنين الّذين لهم الدرجات العليا في الإيمان.
الثالث : أن محبّته تعالى لخلقه إن كانت من المحبّة التكوينيّة فهي من صفات الذات الأقدس ، لرجوعها إلى العلم والحكمة ، وهما عين الذات ، ولا يعقل فيها الاشتداد والتضعّف ، وإن كانت من المحبّة الفعليّة فهي من صفات الفعل ، لرجوعها إلى الرضا والتوفيق والتسديد ، وكلّ ذلك من صفات الفعل ، ولا يعقل أن تكون في مرتبة الذات لقابليتها للتغيّر والتبديل.
وهذه المحبّة الاختياريّة من العبد لله عزوجل هي موضوع السير والسلوك والوصول إلى مقامات العارفين ، وبعضهم سمّى أهل هذا السير والسلوك ب : القافلة