بطنها محرّرا لخدمة البيت الشريف ، وتفتخر مريم بذلك ، وعيسى عليهالسلام لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بالانقطاع إلى الله عزوجل والعبوديّة له ، قال تعالى حكاية عنه : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٠ ـ ٣١] ، ومن كان كذلك نفسا واما وجدّة ، لا يصحّ توهّم الغلو فيه ، ولعلّ ذكر كلمة (البطن) في الآية الشريفة والفرج في قوله تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [سورة التحريم ، الآية : ١٢] ، وأكل الطعام في قوله تعالى : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) [سورة المائدة ، الآية : ٧٥] ، للدلالة على أن التلبّس بهذه الأمور لا يليق بمرتبة روح القدس ، فضلا عن مقام الملك القدوس ، إلا بناء على الحلول ووحدة الوجود والموجود ، وهما باطلان بالأدلّة العقليّة والنقليّة ، وسيأتي التفصيل في مستقبل الكلام.
وكيف كان ، فاستناد هذا النذر إلى الهام إلهي لا يدلّ على أنها ألهمت بكون ما في بطنها ذكر أيضا.
نعم ، لو أريد بالذكوريّة الأعمّ من المنذور وابنها فله وجه ، ويشهد لذلك قولها : (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) حيث أثبتت لها ذرية.
ولم يذكر سبحانه اسم هذه المرأة الصالحة تعظيما لها وعناية بشأنها ، كما أنها لم يذكر اسمها في الكتب المقدّسة وتكلّف النصارى في كتبهم في إثبات نسب مريم وأبيها ، إلا أنه ورد في بعض الروايات أن اسمها كانت حنة بنت قاقوذ بن قنبل الإسرائيلي ، وكانت له بنتان أحدهما هي وقد تزوّجها عمران ، وهو إسرائيلي أيضا وأولدها مريم ، واسم الثانية ايشاع وتزوّجها زكريا وولدت منه يحيى ، فيحيى بن زكريا ومريم ام عيسى هما ابنا خالة.
ومات عمران وحنة حامل منه فنذرت حملها لخدمة البيت المقدّس ، كما عرفت.