ممّا داهمها من خيبة الرجاء ، فليس الغرض هو الإخبار فقط.
وإنما أنّث الضمير في قوله تعالى : (إِنِّي وَضَعْتُها) ، باعتبار الواقع الخارجي ، وفيه من الخيبة وانقطاع الأمل والمسارعة إلى إظهار التحسّر ما لا يخفى.
قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ).
الجملة معترضة مقولة له عزوجل : و (ما) ترجع إلى المولود الذي جهلت الام السرّ الإلهي فيه ، والمراد من الجملة تعظيم شأن المولود ، أي : أن الله تعالى هو الذي خلقها وصوّرها ، وهو أعلم بها بما تحمل من الأسرار وعظائم الأمور ، التي ربما لا تكون تلك ممكنة في المولود الذكر التي كانت ترجوه ، والام غافلة عن جميع ذلك ، فلو كانت عالمة بذلك لما أظهرت التحزّن والتحسّر في وضعها أنثى.
وقيل : إن الجملة مقولة قولها ، وإنما قالتها اعتذارا إلى الله تعالى ممّا كانت ترجوه في المولود الذي لا يصلح لذلك الغرض.
ولكن الاحتمال الأوّل أولى ، وقد وردت فيه رواية أيضا.
قوله تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى).
جملة معترضة اخرى ، لبيان ما اشتملت الجملة السابقة على علمه بالمولود. واللام في الذكر والأنثى للعهد ، أي ذلك الذكر الذي كانت امرأة عمران ترجوه وتتمنّاه ، لأن يكون خادم البيت الشريف ورسولا ، ليس مثل الأنثى التي وضعتها التي لا تقدر أن تقوم بما وقع النذر المحرّر لأجله ، فالجملة من قول الله تعالى أيضا ، أي : ليس الذكر الذي كانت تتمنّاه مثل الأنثى التي فيها سرّ إلهي يظهر بعد ذلك ، فإنها خير من الذكر.
وقيل : إن الجملة مقوله قولها.
ولكن يردّ عليه : أنه لو كان الأمر كذلك لكان الأنسب أن تقول : «وليس الأنثى كالذكر» ، كما هو واضح.
قوله تعالى : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ).
عطف على (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ، وما بين الجملتين اعتراضية كما عرفت