وقيل : إن المسجد حيث كانت مساجدهم تسمّى بالمحاريب.
وكيف كان ، فالجملة بيان لقبول زكريا لها بالكفالة وعنايته لها ، ولهذا لم تعطف.
وإنما قدّم الظرف (عَلَيْها) على الفاعل (زَكَرِيَّا) لإظهار كمال العناية والاهتمام بأمرها.
قوله تعالى : (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً).
أي : أصاب في حضرتها رزقا وألوانا من الطعام ، والتنكير للإعظام من كلّ جهة ، وفيه الإيماء إلى كونه رزقا غير معهود ، ولعلّ ما ورد في الرواية ـ أنه كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ـ مستفاد من نفس هذه الآية الشريفة ، ويمكن أن يستشهد على ذلك من سؤال زكريا ب (أنى) الدالّة على التعجّب ، وجواب مريم له بأنه من عند الله تعالى ، فإنه يكشف عن أنه ليس برزق عادي هيئ في وقت خاص. كما أنه يدلّ على ذلك دعاء زكريا ربّه أن يهب له ذرّية طيبة بعد أن عرف أن هذا الرزق كرامة من الله سبحانه وتعالى لمريم الصدّيقة الطاهرة.
ويمكن أن يكون هذا الرزق من الله تعالى هو الذي أعدّه إعدادا حسنا لحمل عيسى عليهالسلام ، فقد تحقّق في مريم حالتا المنعقديّة والانعقاديّة ، فصارت أهلا لأن يتمثّل روح الأمين لها ، فتأثّرت بما هو ألطف من نسيم السحر ومن ضياء الشمس ونور القمر ، لتلد مريم العذراء رجلا هو كلمة الله ، يرفع إلى السماء ويبشّر الناس بمقدم خاتم الأنبياء.
قوله تعالى : (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا).
جملة استئنافيّة بيانيّة ، و (أنى) كلمة استفهام بمعنى أين تدلّ على السؤال عن الوضع والجهات ، وفيها معنى التعجّب.
أي : من أين لك هذا الرزق. والسؤال إنما كان لعظمة هذا الرزق ـ كما عرفت ـ مع أنها امرأة عاجزة عن تحصيله في هذا الموضع المعيّن وهذه الحال.