وهو إما لأجل أن أنبياء الله تعالى ـ لا سيما أولي العزم منهم ـ أجلّ كلمات الله التامّات ، أو لأجل وجوده بكلمة «كن» من دون توسط أب في البين ، فهو مشابه للإبداعيات في عالم الأمر ، قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٧].
والتصديق به هو الإيمان به والدعوة إليه ، وهو مدح كبير منه عزوجل له وتمجيد له بالخضوع والتسليم له عزوجل ، مع أن الإيمان بعيسى من أصعب الأمور في ذلك العصر.
ويستفاد من ذلك أن النبوّات السماويّة تتقوّم بأمرين :
أحدهما : الإخبار عن الله تعالى ، أي الدعوة إلى التوحيد في العبوديّة والمعبوديّة.
الثاني : إخبار كلّ نبي سابق عن النبي اللاحق ، فإنهم كلسان واحد في الدعوة إلى الواحد الأحد ، وبدون ذلك لا يجب اتباع النبيّ ، ففي المقام أن يحيى يدعو إلى عيسى ، وهو يدعو إلى خاتم الأنبياء.
قوله تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً).
السيد من السواد ، أي ساد يسود ، فهو سيد فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وهو الشخص المطاع ، والسيادة هي تولي الأمور وزعامة الناس ، فالسيد هو الذي يسود غيره إما في الزعامة وتولّي أموره ، أو في الفضائل المحمودة والأخلاق الكريمة ، فيكون فائقا على غيره ، وفي الحديث : «أنا سيد ولد آدم ، ولا فخر» ، فأخبر صلىاللهعليهوآله عمّا أكرمه الله تعالى به من الفضل والسؤدد ، تحدّثا بنعمة الله تعالى عليه ، ويطلق على الباري جلّ شأنه ، لأنه المتفرّد في جميع الكمالات وتحقّقت له السيادة الحقيقيّة المطلقة ، ففي الحديث : «انه جاءه رجل فقال : أنت سيد قريش؟ فقال : السيد الله» ؛ وهي من الأمور الاضافية فيما سواه تعالى ، ففي الحديث : «كلّ بني آدم سيد ، فالرجل سيد أهل بيته ، والمرأة سيدة أهل بيتها» ، وكذا سيد القوم وسيد العشيرة ، ولعلّ المراد في المقام سيد قومه وعشيرته ، ولا يطلق على