غذى كما يغذى الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟ قالوا : بلى ، قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا ، فأنزل الله عزوجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها».
أقول : ما ورد في الرواية مطابق للأدلّة العقلية أيضا ، وليس فيها جهة من جهات التعبّد ويمكن أن يكون نزول مجموع الآيات التي ذكرت في الرواية بعضها من باب المقدّمة لدفع احتجاجاتهم ، لا أن تكون بنفسها احتجاجا عليهم.
في العلل : عن النبي صلىاللهعليهوآله : «سمّي القرآن فرقانا لأنه متفرّق الآيات ، والسور نزلت في غير الألواح وغير الصحف ، والتوراة والإنجيل والزبور أنزلت كلّها جملة في الألواح والورق».
أقول : أما التوراة والإنجيل والزبور أنزلت جملة واحدة ، فيمكن ان يستشهد بقوله تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٤].
فيستفاد منه أن التوراة كانت مكتوبة بالخط الأزلي في الألواح ، وأما أن الألواح من أي شيء كانت ، فلا يستفاد ذلك من الآية المباركة. ويشهد لما قلنا قوله تعالى : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [سورة الأعلى ، الآية : ١٩].
وأما أن الإنجيل نزل جملة واحدة ، فلقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٦] ، وغيره من الآيات المباركة التي يستفاد من سياقها أنه كان مكتوبا وأتاه الله إلى عيسى عليهالسلام.
وأما الزبور ، فيشهد قوله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) [سورة النساء ، الآية : ١٦٣] ، فإن المنساق منه أيضا النزول الجمعي.
ثم إن القرآن والفرقان من الأمور الإضافية النسبية ، فيصحّ نسبة الجمع إلى القرآن في كلّ ما يصحّ انتساب الجمع إليه ، كالجمع بين الدفتين ، أو الجمع في قلب سيد الأنبياء صلىاللهعليهوآله ، أو الجمع في اللوح المحفوظ ، أو الجمع في علم الله تعالى ، أو الجمع في غير ما ذكر من العوالم.