التفسير
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ).
الجملة معطوفة على الجملة السابقة : «إذ قالت امرأة عمران» ، والجملتان في مقام الشرح لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ).
و (إذ) منصوب ـ كما عرفت ـ بفعل مقدر وهو اذكر ، والمراد من الملائكة جنسها كما تقدّم سابقا ، فلا ينافي أن يكون المتكلّم واحدا.
وقول الملائكة أعمّ من أن يكون بالإلهام في القلب ، أو بظهور الشخص خارجا والتكلّم الشفهي معها ، وإن كان الظاهر هو الثاني ، ويدلّ عليه قوله تعالى في سورة مريم : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) ، ولا محذور فيه من عقل أو نقل ، كما أن ظاهر الآية المباركة في أن مريم كانت محدّثة تكلّمها الملائكة وهي تسمع كلامهم وقد ترى شخصهم.
والاصطفاء الاختيار كما عرفت سابقا ، وذكرنا أن جهة الاصطفاء تعرف من القرائن الحافّة بالكلام ، فقد تكون متّحدة ، وقد تكون متعدّدة ..
فتارة : تكون لأجل قداسة الذات.
واخرى : تكون لأجل جهات خارجيّة اختياريّة أو تكوينيّة.
وثالثة : تكون لأجل الخلوص في العبادة والتقوى.
ورابعة : لجميع ذلك.
والمراد به في المقام أن الله اختارك بقبوله تعالى لك ورضائه بك ، وتقبّلها لعبادته عزوجل حينما نذرت أمها تحريرها لله عزوجل ، وقد تقدّم جميع ذلك في الآيات السابقة.