ومعنى يلقون أقلامهم ، أي : أن سدنة الهيكل كانوا يتسابقون في كفالتها ، فيلقون أقلامهم ويرمونها ويضربون بها لأخذ النتيجة. والآية المباركة تدلّ على أن القرعة لها دخل في تمييز الحقوق وتعيينها في الواقع.
قوله تعالى : (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ).
أي : أن النتيجة التي أرادوها من ضرب الأقلام هي تعيين من يكفل مريم ، والجملة تدلّ على أن التكفّل والحنان للوليد كانا في مورد السباق من أوّل ولادة مريم.
قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
أي : وما كنت شاهدا نزاعهم وتنافسهم على كفالة مريم حين تراضوا بالقرعة ، وضرب السهام فخرجت باسم زكريا وكانت من نصيبه. والظاهر أن هذا الاختصام والنزاع كان لكفالة مريم من ابتداء الأمر وحين ولادتها.
وقيل : ان هذا الاختصام والنزاع كان بعد كبر مريم عليهاالسلام وعجز زكريا عن كفالتها ، لأن هذه الجملة ذكرت بعد تعيين الكفيل بالقرعة وتمام قصتها ، فتكونان واقعتين مستقلتين.
ولكن ظاهر الآية الشريفة يدفع ذلك ، ولا يضرّ إعادة بعض خصوصيات القصة بعد تمامها ، لفائدة خاصة وهي التثبيت ، ونظير ذلك ما ورد في قصة يوسف عليهالسلام ، فإنه بعد سرد القصة قال تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠٢].
ويستفاد من الآية الشريفة جواز الاختصام في المسارعة إلى الخير ، والمتيقّن منه ما إذا كان ذلك بمجرّد القول والاحتجاج من دون أن تطرأ عناوين جانبيّة اخرى ، كالهتك والتوهين والإيذاء مثلا.
وفي تكرار : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) للدلالة على أن كلّ واحد من الموردين له الاستقلال في الدلالة على صدق قول الرسول صلىاللهعليهوآله وصحة نبوّته ، مع أنه رجل امي لا يعلم هو وقومه من أخبارهم شيئا ، وعدم ذكرهما في الكتب المتداولة في أهل