لذلك أيضا بالنسبة إلى الإنسان والحيوان ، ومهّدت الأمر هيأته ووطئته ، قال تعالى : (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [سورة الروم ، الآية : ٤٤].
والكهولة : اسم لما بين الشباب والشيخوخة ، والشاب من تجاوز البلوغ إلى ثلاثين سنة ، والشيخ من جاوز الأربعين ، وفيه يكون الإنسان رجلا كاملا سويّا ، وقد سمّى العلماء كلّ سني العمر باسم خاص ، كما يأتي في البحث الأدبي.
والمعنى : يكلّم الناس ويدعوهم إلى التوحيد من حين ولادته إلى حين كهولته ورفعه إلى السماء ، وقد حكى الله تعالى في موضع آخر تكلّمه حين ولادته ، وقال عزوجل : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا* وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٠ ـ ٣٣].
وفي الآية المباركة بشارة إلى مريم بأنه يعيش إلى زمان الكهولة ، فيكون رجلا كاملا قويّا سويّا ، وفيها إشارة إلى أنه لا يبلغ سن الشيخوخة.
وقد ذكر سبحانه وتعالى طرفي عمره لما وقع فيهما الآيتان ، التكلّم ساعة ولادته ـ في المهد وهو صبي لم يبلغ سن الكلام ـ كلاما يعتني به العقلاء كما يعتنون بكلام الرجال ، وآية رفعه إلى السماء حين بلوغه سن الكهولة كما يأتي بعد ذلك.
والمعروف أنه عليهالسلام أرسل إلى الناس وهو ابن ثلاثين سنة ، ورفع إلى السماء بعد ثلاث سنين ، وهذا ما تدلّ عليه الأناجيل المعروفة ، ولكن ذكر جمهور المفسّرين أن تكليمه الناس إنما هو بعد نزوله من السماء ، فإنه لم يمكث في الأرض ما يبلغ به سن الكهولة.
والصحيح ما ذكرناه من أن الآية الشريفة في مقام بيان أن الزمانين مورد حدوث الآية فيهما ، والنصارى تزعم مزاعم في حياة هذا الرجل العظيم ، والآية الشريفة تنفي تلك بأسلوب جذاب.