الآية : ١٧] ، ويشبه خلق عيسى خلق آدم عليهالسلام ، فإنه وجد من نفخ الله تعالى فيه ، وسيأتي تفصيل الكلام في سورة مريم إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ).
عطف على (وجيها) كبقية الأحوال التي وردت لبيان المقامات المعنويّة والكمالات الحقيقيّة لعيسى بن مريم عليهالسلام. والكتاب يمكن أن يكون من قبيل ذكر العام قبل الخاص ، والمجمل قبل المفصّل ، إعلاما بشأن الكتاب وتثبيتا لدرجته ، وبيان أهمية الخاص. ويمكن أن يكون المراد به كلّيات أسرار القضاء والقدر الثابتة في العلم الأزلي مع إحاطته عزوجل بتمام الجزئيات إحاطة واقعيّة حقيقيّة.
وتقدّم معنى الحكمة ، وذكرنا أن المراد بها الحقائق التي تكون نافعة للإنسان اعتقادا وعملا ولها دخل في سعادته في الدارين.
والتوراة هي الكتاب الذي نزل على موسى بن عمران عليهالسلام في الميقات ، وهي تتضمّن التشريعات التي شرّعها الله تعالى لموسى عليهالسلام.
والإنجيل هو الكتاب المنزل على عيسى بن مريم ، ومعناه في اليونانيّة القديمة التعليم ، وقيل معناه البشارة. وإنما ذكر عزوجل الإنجيل لأنه كان موعودا به عند الأنبياء ومعلوما لديهم.
وأما الأناجيل الأربعة المعروفة عند النصارى ، فقد كتبت بعد المسيح بعدّة قرون ، وأما التوراة فقد تناولتها يد التحريف ، كما تدلّ عليه آيات كثيرة من القرآن الكريم ، وإن كان يصدقها في بعض الأحكام.
ويختلف التوراة عن الإنجيل في أن الاولى تشتمل على الأحكام الإلهيّة والإنجيل يتضمّن على النواسخ وبعض الأحكام الإثباتية ، قال تعالى : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [سورة الزخرف ، الآية : ٦٣] ، وقال تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ* وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٦ ـ ٤٧] ، وقد تقدّم في أوّل هذه السورة بعض الكلام فيهما.