الأمراض إزعاجا ، بل قد يكونان من أعظم المهلكات ، فتكون كناية عن سلطنة الروح الإنسانيّة من كلّ جهة.
الثالث : إحياء الموتى الذي هو السلطة التامّة على الروح ، وكونها تحت أمره بحيث يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
الرابع : عالم الغيب ، بحيث يكون حاضرا لديه.
الحادي عشر : إنما كرّر سبحانه وتعالى : (بِإِذْنِ اللهِ) ، لبيان أنه لا شأن لعيسى وغيره من الأنبياء في صدور المعجزات عنهم ، والمدار كلّه على إذنه تعالى وإرادته ، قال جلّ شأنه : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [سورة المؤمن ، الآية : ٧٨] ، وبذلك تبطل دعوى الغلو والالوهية فيهم.
ولم يذكره سبحانه وتعالى في آيتين من الآيات الأربعة ـ وهما إبراء الأكمه والأبرص والإنباء بالمغيّبات ـ إما لأجل استفادة الإذن فيهما من الآيتين الأخيرتين بالأولى ، لأن ذلك بالنسبة إليهما يعدّ من العرضي ، والإذن في الذاتي يستلزم الإذن في العرضي. مع أنه قد ذكر في سورة المائدة (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) [سورة المائدة ، الآية : ١١٠] ، وإما لأجل أن هذين الأمرين من الإنباء والإبراء ينبغي أن يكونا من مقامات الأولياء ، لا أن ينسب أوّلا وبالذات إلى الله تعالى ، لأن مقام ولايتهم يقتضي تفويض مثل هذه الأمور إليهم ، فلهم أن يفعلوا فيها بما يشاءون ، ولذا قال : (وَأُنَبِّئُكُمْ) فنسب ذلك إلى نفسه ، فإن مقام الولاية مقام برزخي بين الالوهية الحقّة والخلقيّة الصرفة.
الثاني عشر : يدلّ قوله تعالى : (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ، على أن الإنسانيّة الكاملة هي غاية التكوينات والتشريعات لما ذكرناه مرارا ، ومن أنها هي الصراط المستقيم والجسر الممدود بين المبدأ والمعاد ، وهو وإن كان حادثا ولكنه بحسب البقاء أبدي كأزلية الله تعالى وأبديته ، فهذه الأمور الثلاثة : المبدأ تبارك وتعالى ، والصراط المستقيم ، والدار الآخرة ، متلازمة حقيقة ، وإن كانت مختلفة مفهوما.