الاتباع ، وهي الإيمان والعمل الصالح ، وأن مجرّد الاتباع من دون أن يستتبع ذلك بعمل صالح لا أثر له ، ولا يستلزم استحقاق هذا الجزاء الحسن ، وقد أكّد ذلك سبحانه وتعالى في عدّة مواضع من القرآن الكريم ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٦٢] ، وتوفية الجزاء ، أي إعطاء الثواب وافيا من غير نقص كما تقدّم ، ومقتضى المقابلة بين الجملتين أن يكون الجزاء في الدارين الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا الفوقيّة والذكر الحسن والغلبة والنصرة ، وفي الآخرة الجنّة وحسن المآب.
قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
تأكيد لمضمون ما ورد في الآية السابقة ، وهو أن مجرّد الاتباع لبعض الأفراد لا يوجب اللحوق بالمؤمنين ما لم يستتبع الإيمان بالعمل الصالح ، فإنه ظالم والله لا يحبّ الظالمين ، فهذه الآية المباركة تشير إلى الطائفة الثالثة ، وهي المتبعون في اللسان ومن انتسب إلى عيسى عليهالسلام بالقول فقط ، من دون أن يتلبّس بحقيقة الإيمان ، ولعلّه لذلك لم يختم سبحانه وتعالى الآية الشريفة بما يدلّ على الرحمة والرأفة والمغفرة ، كما هو عادته تعالى في سائر الموارد.
قوله تعالى : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ).
إشارة إلى قصص عيسى عليهالسلام التي ذكرها الله تعالى من حين ولادته إلى رفعه إلى السماء. والمراد بالذكر الحكيم هو القرآن الكريم الذي أحكمت آياته بخلوصها من الباطل ، والمتّقن نظمه والمشتمل على الحكمة ، يهدي المؤمنين إلى الصراط المستقيم والدين القويم ، المبيّن للمغيبات.
وإنما أتى بما يدلّ على البعد للإشارة إلى عظيم منزله المشار إليه وكرامته وشرفه ، وبهذه الآية الشريفة يختتم سبحانه وتعالى قصص عيسى عليهالسلام وأخباره من حين ولادته إلى وفاته ورفعه في المقام ، ولكنه تعالى لم يفرغ منها ، وهذا ممّا تدلّ عليه هيئة المضارع في «نتلوه» ، الدالّة على استمرار الوحي.