وفيها ذكر خلق عيسى عليهالسلام الذي يشبه خلق آدم عليهالسلام ، وإنكار كثير من أفعال اليهود والنصارى ، والردّ على مزاعمهم في أنبياء الله تعالى.
ويبيّن الله تعالى فيها حقائق دينيّة وأمورا عامّة ، تجلب السعادة لهم في الدنيا والآخرة ، ويدفع بها شبهات المعاندين وتلبيس الكافرين ، وقد أثبت لنفسه مهام الصفات العليا وما يستلزم في تدبير ملكه وتوليته لأمور المؤمنين وإحاطته بالكافرين ، وأنهى سبحانه وتعالى هذه السورة بالدعاء.
ومن وحدة الأسلوب والغرض يستفاد أنها نزلت دفعة واحدة على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد أعدّ العدّة لمواجهة الأخطار المحدقة بالدين من المشركين وأهل الكتاب.
ويكفي في عظمة هذه السورة المباركة أنها ابتدأت بالتوحيد وأمهات الصفات (الحي والقيوم) ، واختتمت بالأمر بالصبر والمصابرة والتقوى والوعد بالفلاح ، فجمعت بين المبدأ والمعاد بأحسن أسلوب يأخذ بقلوب العباد ، فقد جمع الله تعالى بها بين التوحيد والنبوّة والمعاد ومراتب تكامل النفس وبدء الطبيعيّات من الله وسيرها إليه جلّ جلاله وبين القصة والاحتجاج والبرهان. كلّ ذلك ينبئ عن عظمة الحكيم الحنّان. وسمّيت هذه السورة بسورة الاصطفاء أيضا ، لأن فيها قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٣٣].
وفي الآيات المتقدّمة براعة الاستهلال تتضمّن خلاصة ما يذكر في هذه السورة المباركة ، فقد أثبت سبحانه وتعالى مهام صفاته العليا وأورد عزوجل ذكر الكتب الإلهيّة ، وحذّر الكافرين عن أفعالهم وأوعدهم بالعذاب الشديد ، ثم ذكر ما هو بمنزلة العلّة لما ورد في المقدّمة. وأرشد المؤمنين إلى تذكّر آلاء الله تعالى وصفاته العليا ، التي بها يدوم العالم وينتظم نظام الخلق.
فهذه الآيات اشتملت على اصول المعارف الإلهيّة ، أما التوحيد فقوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وأما النبوّة فقوله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) ، وأما المعاد ببقية الآيات المباركة.