(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩))
نداء ملكوتي من قلوب الراسخين في العلم ، يشمل ذروة العرش الأعلى حتى ذرة ما تحت الثرى ، تطرب الممكنات من سماع لفظه ، وتزجر العوالم من خطاب وعظه ، تتدفق منه الرحمة والنور على جميع الأحياء ، بل على من في القبور.
وفي لفظ (ربنا) من الاستغاثة والانقطاع في أن يثبتهم على الحقّ ما ليس في غيره ، وغالب دعوات الأنبياء والمنقطعين إليه جلّت عظمته مبدوءة به ، لأنه من أنين المربوب الضعيف إلى الربّ الخبير اللطيف ، ودعاء المسكين الفقير إلى الغني المطلق الخبير.
ولا بد وأن يكون هذا الدعاء مقول قول الراسخين في العلم ، الذين ملئت قلوبهم بالإيمان بالله جلّ شأنه ، والذين يرون كمال استغنائهم في كمال الفقر إليه تبارك وتعالى ، كما عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله في قوله : «اللهم اغنني بالافتقار إليك ، ولا تفقرني بالاستغناء عنك».
وفي ابتهالهم إلى الله تعالى بأن يثبتهم على الحقّ ، وأن يفيض عليهم رحمته ، لا سيما في يوم الجمع الذي لا ريب فيه دلالة بأن الغاية القصوى ذلك اليوم ، وأن العوالم كلّها في طريق السير إلى ذلك الموعد الذي لا يخلفه الله تعالى لجمعهم وفصلهم ، ولا يمكن أن يتخلّف ذلك الغرض أنه الهدف من السير الاستكمالي للإنسان. وكيف يمكن أن يهمل ذلك مع أن الربوبيّة العظمى تقتضي الوفاء بالوعد ، وإلا يلزم الخلف.