الآية كثيرة ، يأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
ويمكن أن يكون هذا الدعاء منهم مع كونه من الرحمة الخاصة بهم دعوة منهم إلى أن يجعل الله تبارك وتعالى غيرهم ـ المستأهلين لهذا المقام ـ مشمولين لهذا الدعاء.
وهذا هو دأب أولياء الله تعالى في دعواتهم ، حيث لا يخصّون أنفسهم بدعاء خاص ، بل يعمّونه لغيرهم. فيسقط نزاع بعض المفسّرين في أن الدعاء خاص أو عامّ ، إذ لا تنافي بين الخصوص والعموم بالنسبة إليهم ، بأن يكون الخاص منشأ لحصول العام بالنسبة إلى غيرهم.
الثالث : يستفاد من الآية الشريفة أن عدم زيغ القلب أعمّ من الهبات المعنوية والإفاضات السماويّة ، فيمكن أن يستجاب منهم دعاء عدم زيغ القلب ، وتبقى الإفاضات المعنوية (أي الرحمة الخاصة) بعد ، ولذا قالوا : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً).
وبعبارة اخرى : عدم زيغ القلب أعمّ من هبة الرحمة ، التي هي كالأرض التي هي معدّة لكلّ نبات وزرع ، فيستمطرون منه تبارك وتعالى ويستوهبون منه أنحاء النباتات المعنوية والأثمار الحقيقيّة في هذه الأرض ، اعني القلب الذي خلا عن جميع الشوائب والأوهام.
الرابع : يستفاد من تكرار الخطاب في قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ، الحصر الحقيقي ، لأنهم يرون انحصار جميع الهبات فيه تبارك وتعالى ، وهذه إشارة إلى قول : (لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم).
الخامس : يستفاد من هذه الآية الشريفة أن علم الراسخين في العلم يدور مدار علم المبدأ والمعاد ، فعندهم المرتبة القصوى من علم المبدأ والمعاد ، وفيهما تنطوي سائر العلوم التي تقع في طريق استكمال النفس الإنسانية الكاملة ، التي هي أكبر حجّة لله تعالى في أرضه ، وخلقت الدنيا والآخرة لأجلها ، وفيهما تنطوي الفلسفة العلميّة والعمليّة ، التي هي أعظم المباني العقليّة وأجلّها ، وأكثرها أبوابا وفصولا ، بحيث جعل كلّ منها علما مستقلا برأسه.