قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها ، أنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة ببصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا ، وسرّه لعلانيته موافقا ، لأن الله تبارك اسمه لم يدلّ على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه».
أقول : هذه الرواية من أجلّ الروايات الواردة في المعارف الإلهية ، فقوله عليهالسلام : «علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها» ، لأنهم علموا أن الإنسان مركب من مادة وصورة ، ومن لوازم المادة والجسمانية زيغ القلوب ، فسألوا ربهم بهذا الدعاء الذي هو أكمل الدعوات بالنسبة إلى الاستكمالات الإنسانية في جميع العوالم التي ترد على الإنسان ، فعلمهم هذا من قبيل العلم باللازم بعد علمهم بالملزوم.
وأما قوله عليهالسلام : «إنه لم يخف الله من لم يعقل قلبه على معرفة ثابتة ببصرها» ، فهو من القضايا الوجدانية التي يكون دليلها معها ويكفي تصوّرها في تصديقها ، لأن المخافة من الشيء تتوقّف على تعقّل ذلك الشيء ولو بالجملة ، فإن المخافة بلا تعقل تكون عبثا ولهوا ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [سورة فاطر ، الآية : ٢٨].
وأما قوله عليهالسلام : «ويجد حقيقتها في قلبه» ، فهو من القضايا الفطرية ، لأن الاعتقاد بشيء يستلزم تصوره وتصديقه في الجملة ، وإلا فلا موضوع للاعتقاد أصلا.
وأما قوله عليهالسلام : «ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا وسرّه لعلانيته موافقا» ، فهو من أتمّ البيان والحجّة لبيان العقيدة في شيء ، لأنه إذا كان الفعل مخالفا للقول وكان بينهما اختلاف وتناف ، لا تحصل العقيدة بذلك.
نعم ، دعوى الاعتقاد الصوري مع مخالفة الفعل للقول حاصلة ، ولكن لا أثر لها ، ويدلّ على ذلك ما تقدّم في بعض الروايات عن الصادق عليهالسلام : «من حرم