الأول : الارتباط التكويني ، وقد أثبت أكابر الفلاسفة في محلّه ، أنه أوثق الارتباطات وأجلاها وأتمّها ، بل وأشدّها ، ومن أجل ذلك يقسم الخالق بمخلوقه ، كما يقسم الحبيب بمحبوبه ، قال تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ* لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [سورة التين ، الآية : ١ ـ ٤] ، وقال تعالى : (وَالْفَجْرِ* وَلَيالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [سورة الفجر ، الآية : ١ ـ ٤] ، وقال تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها* وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها* وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها* وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها* وَالسَّماءِ وَما بَناها* وَالْأَرْضِ وَما طَحاها* وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [سورة الشمس ، الآية : ١ ـ ٨]. لأن الفاعل يرى قدرته وظهوره في فعله ، فالفعل من مظاهر بروز الفاعل وتجلّياته وظهوره ، فيسعى كلّ منهما لصاحبه بما يريده تكوينا ويرضاه وما يشتهيه ، وإن شئت سمّيت هذا بتسبيح الممكنات ، كما في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٤] ، فلا بأس ، وإن شئت سمّيته بالفطرة ، كما عن بعض ، فلا بأس وإن شئت سمّيته بشروق نور أزلي من الغيب المحجوب على ظلمات الممكنات ، فلا بأس. هذا كلّه بناء على ما هو المعروف بين الفلاسفة من القول بتكثّر الوجود والموجود. وهذا القسم سير تكويني متدرج في قول : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، وقول : (لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم).
الثاني : الارتباط الاختياري الالتفاتي الفعلي ، وعليه يدور أساس تكميل الإنسان ، ولأجله أنزلت الكتب السماويّة والقرآن المبين ، وهو غاية دعوة الأنبياء وجميع المرسلين ، وبه تقوم درجات الجنان ودركات النيران ، وعليه يدور أساس تكميل الإنسان إلى ما لا حدّ لأقصاه ولا يمكن أن يدرك مداه ، وبه يسير الإنسان في عالمي الأظلة والأنوار ، ويفرح من نسيم يفوح عن ربوع المحبوب وتلاله ، ويدرك سرّ الحياة والجمال والجلال :
أراك تزيد في عيني جمالا |
|
فأعشق كلّ يوم منك حالا |
تزيد ملاحة وأزيد تيما |
|
فحالي فيك تنتقل انتقالا |