الفلاسفة ، بل المنساق من الأدلّة السمعية ـ كتابا وسنة ـ ذلك.
ويمكن إقامة الدليل العقلي عليه بأن يقال : إن الفناء والاضمحلال من لوازم الجسم والماديات ، لمكان تحلّل الأجزاء تدريجا ، وأما إن كان بسيطا من كلّ جهة ـ كالأرواح وجميع المجرّدات والروحانيين من الملائكة ـ فلا موضوع للفناء والتحلّل فيه ، فيبقى بعد الحدوث أبدا.
نعم ، الانعدام بمشيئة الله تعالى وإرادته شيء آخر لا ربط له بالموت والفناء ، فكلّ موجود إما أزلي وأبدي ، وهو منحصر به جلّ شأنه ، أو حادث أبدي ، وهو المجرّدات والروحانيون ، أو حادث وفان ، وهو الأجسام والماديات.
وأما كون شيء أزليا وفانيا ، فهو ممتنع للقاعدة التي تسالم الكلّ عليها من أن : «كلّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه» ، فمعاد الأرواح ممّا لا يعتريه الشك أصلا ، ومن أنكره فقد (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) [سورة النمل ، الآية : ١٤].
وأما المعاد الجسماني الذي هو مورد دعوة الأنبياء وجميع كتب السماء ، فقد أثبته جميع كثير من أكابر الفلاسفة وأعاظمهم ، حتّى من غير المسلمين.
وإنما أشكل بعض في استحالته من أنه إعادة المعدوم ، فإن الجسم لو انعدم فإعادته محال. وهذا الإشكال قديم الجذور ، فقد حكاه الله تعالى في جملة من الآيات المباركة عنهم ، قوله تعالى : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [سورة يس ، الآية : ٧٨] ، وقوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [سورة الجاثية ، الآية : ٢٤] ، وغيرهما من الآيات الشريفة.
ولكن أصل الإشكال فاسد ، لأنّه مغالطة حصلت من قياس قدرة الخالق على قدرة المخلوق ، أي الممكن ، فظنوا أن ما لا يمكن بالنسبة إلى قدرة المخلوق هو غير ممكن بالنسبة إلى قدرة الخالق أيضا ، ولا ريب في بطلانه ، لأن قدرة المخلوق محدودة وقدرة الخالق غير محدودة بوجه من الوجوه ، حتّى إنه تعالى خلق الأشياء من العدم ، فليكن المعاد بالنسبة إلى الأجساد كذلك أيضا ، على فرض تحقّق العدم