فلمّا سمع النجاشي بهذا بكى بكاء شديدا وقال : هذا والله هو الحقّ.
فقال عمرو بن العاص : أيها الملك ، انّ هذا مخالفنا فردّه إلينا.
فرفع النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو ، ثمّ قال : اسكت ، والله ـ يا هذا ـ لئن ذكرته بسوء لأفقدنك نفسك!
فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه ، وهو يقول : ان كان هذا كما تقول ـ أيها الملك ـ فإنّا لا نتعرض له.
ورجع عمرو الى قريش فأخبرهم أنّ جعفرا في أرض الحبشة في اكرم كرامة (١).
وروى ابن اسحاق بسنده عن زوج رسول الله أمّ سلمة هند ابنة أبي اميّة بن المغيرة المخزومي أنّها قالت : لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها النجاشي خير جار : أمنّا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه.
__________________
(١) وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه ، فنظرت الى عمارة بن الوليد ، فلمّا رجع عمرو بن العاص الى منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ، فراسلها فأجابته ، فقال له عمرو : قل لها : تبعث إليك من طيب الملك شيئا. فقال لها ، فبعثت إليه ، فأخذ عمرو من ذلك الطيب ، فادخل عمرو الطيب على النجاشي وقال : أيّها الملك ان حرمة الملك عندنا وطاعته علينا وما يكرمنا اذا دخلنا بلاده ونأمن فيه : أن لا نغشه ولا نريبه ، وان صاحبي هذا الّذي معي قد أرسل الى حرمتك وخدعها فبعثت إليه من طيبك. ثمّ وضع الطيب بين يديه فغضب النجاشي وهمّ بقتل عمارة ، ثمّ قال : لا يجوز قتله فانهم دخلوا بلادي فلهم أمان ، ثمّ دعا السحرة فقال لهم : اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل ، فأخذوه ونفخوا في احليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو ويروح ولا يأنس بالناس ، فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتّى ورد الماء مع الوحش فأخذوه ، فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتّى مات ، كما في تفسير القمي ١ : ١٧٦ ـ ١٧٨ وعنه في اعلام الورى : ٤٣ ـ ٤٥ بلا أسناد وكذلك اليعقوبي ٢ : ٣٠ والأصفهاني عن الواقدي في الأغاني ٨ : ٥٠.