ثمّ أرسل الى أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فدعاهم فلمّا جاءهم رسوله اجتمعوا وقال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل اذا جئتموه؟ قالوا : نقول ـ والله ـ ما علمنا وما أمرنا به نبيّنا ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ كائنا في ذلك ما هو كائن.
فلمّا جاءوا سألهم النجاشي ـ وقد دعا أساقفته حوله ـ فقال لهم : ما هذا الدين الّذي قد فارقتم فيه قومكم؟ ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟
فكان الّذي كلّمه جعفر بن أبي طالب فقال له : أيّها الملك ، كنّا قوما أهل جاهلية : نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القويّ منا الضّعيف ؛ فكنّا على ذلك ، حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا الى الله لنوحّده ونعبده ، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكفّ عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة ـ وعدّد عليه امور الإسلام ثمّ قال ـ فصدّقناه وآمنّا به ، واتّبعناه على ما جاء به من الله : فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ، وحرّمنا ما حرّم علينا وأحللنا ما أحلّ لنا. فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا من عبادة الله الى عبادة الأوثان ، وأن نستحلّ ما كنا نستحل من الخبائث. فلمّا قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا الى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيّها الملك.