قال أسعد : مَن هو منكم؟ قال : هو ابن عبدالله بن عبدالمطلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً!
قال : فأين هو؟ قال : إنهم لا يخرجون من شعبهم إلّا في الموسم ، فهو اليوم يجلس في الحجر ، فلا تكلّمه ولا تسمع منه كلمة فإنه يسحرك بكلامه!
فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لابدّ لي من أن أطوف بالبيت؟
قال عتبة : ضع قطناً في اُذنيك!
فحشا أسعد اُذنيه من القطن ودخل المسجد فطاف بالبيت ورسول الله جالس في الحجر ومعه قوم من بني هاشم فلما مرّ به نظر إليه نظرة وجازه ، ولكنه قال في نفسه : أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أعرفه حتى ارجع إلى قومي فاُخبرهم؟! هذا جهل ليس فوقه جهل! ففي الشوط الثاني اخرج القطن من اُذنه ورمى به ودنا من رسول الله وحيّاه بتحية الجاهلية : أنعم صباحاً. فرفع إليه رسول الله رأسه وقال له : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحيّة أهل الجنّة : السلام عليكم.
فجلس إليه أسعد وقال : إن عهدك بهذا لقريب ، إلى ما تدعو؟
قال صلّى الله عليه وآله : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله ، وادعوكم إلى (وتلا عليه آيتين من سورة الانعام) : (ألّا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلّا بالحق ذلكم وصّاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مالَ اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشُدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفساً إلّا وُسعها وإذا قُلتم فاعدلوا ولو كان ذا قُربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصَّاكم به لعلّكم تذكّرون) (١).
__________________
(١) الأنعام : ١٥١ ، ١٥٢.