فما بقي دار من دور بني عمرو بن عوف في ذلك اليوم الّا وفيها مسلم أو مسلمة. وشاع الاسلام بالمدينة وكثر ، ودخل فيه من البطنين أشرافهم ، وذلك لما كان عندهم من أخبار اليهود.
وكتب مصعب الى رسول الله بأن الأوس والخزرج قد دخلوا في الاسلام ، فلمّا بلغ ذلك رسول الله أمرهم بالخروج الى المدينة ، فكانوا يتسلّلون إليها رجلا رجلا ، فينزلهم الأوس والخزرج عندهم ويواسونهم (١).
روى ذلك الطبرسي في «إعلام الورى» عن علي بن ابراهيم القمي ، ولا يوجد الخبر في الموجود المطبوع من تفسيره ، وروى في تفسيره «مجمع البيان» عن ابن سيرين (ت ١١٠) قال : اجتمع الأنصار الى أسعد بن زرارة وقالوا له : لليهود يوم يجتمعون فيه كلّ سبعة أيام ، وللنصارى يوم أيضا مثل ذلك ، فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله عزوجل ونشكره. فلليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد فاجعلوا يومنا يوم العروبة (وهي اسم الجمعة في الجاهلية فتوافقوا عليه).
فاجتمعوا فيه الى أسعد بن زرارة ، فذبح لهم شاة ، ثمّ ذكّرهم وصلّى بهم ، ثمّ تغدّوا وظلّوا حتّى تعشّوا عنده من تلك الشاة ، وذلك لقلّتهم ، فسمّوه يوم الجمعة لاجتماعهم إليه فيه. فهذه أوّل جمعة جمّعت في الاسلام (٢) حيث صلّوا فيه مع أسعد بن زرارة فريضة ظهر يوم الجمعة جماعة ، قبل قدوم الرسول وتشريع صلاة الجمعة والخطبتين قبلها.
__________________
(١) إعلام الورى : ٥٨ ، ٥٩. وقد مرّ الخبر ضمن أخبار حصار الشعب ، ولكنّي كررته هنا ابرازا لدور أسعد بن زرارة الخزرجي وسعد بن معاذ الأوسي في انتشار الاسلام في المدينة. والخبر في ابن اسحاق في السيرة٢ : ٧٧ ـ ٨٠ باختلاف في بعض الألفاظ.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٤٣٢.