وأمّا الاصول المحضة الّتي هي القسم الثالث من موارد مخالفة الحكم الظاهري للواقعي الّتي هي عبارة عن اجتماع الضدّين كما توهّم فهنا نعم ، المجعول هو الإباحة الظاهريّة وغيرها من الأحكام التكليفيّة ، فالمجعول هنا حكم تكليفي لعدم نظر لها إلى الواقع حتّى تجعل لها الوسطيّة في الإثبات والإحراز ، ولكنّه مع ذلك لا يلزم اجتماع الضدّين ، لأنّ الحكم الظاهري إمّا الإباحة حيث يكون الحكم الواقعي محرّما أو واجبا كما في الشبهات البدويّة أو يكون الحكم الظاهري الوجوب ـ الإلزام ـ حال كون الحكم الواقعي الإباحة كما في النفوس والأعراض والدماء.
وبالجملة فرفع إشكال التضادّ حينئذ إنّما هو ببيان أنّ الحكم الظاهري ليس في عرض الحكم الواقعي حتّى يلزم اجتماع النقيضين ، بل أنّ الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي ومتفرّع عليه ، لأنّه عند الجهل به تصل النوبة إلى الحكم الظاهري. وحينئذ فكما كان يجوز للشارع حينئذ ـ أي حين الجهل بالحكم الواقعي ـ أن يرجعنا إلى حكم العقل بحسب موارده فإن كان المورد من موارد دفع الضرر المحتمل فيحتم العقل بدفعه ، أو كان المورد من موارد قبح العقاب بلا بيان فيستقلّ العقل بالبراءة العقليّة حينئذ ، كذلك يجوز له أن يجعل الاحتياط في المورد الأوّل والبراءة في المورد الثاني ، فكما لا يكون مضادّة بين حكم العقل المزبور وحكم الشارع كذلك لا مضادّة بين حكمي الشارع.
والسرّ في ذلك أنّ الاحتياط إنّما جعل في الأوّل لإدراك الواقع فحيث يصيب الواقع فلا مناقضة إذ هو طريق آخر إليه نظير «أكرم زيدا» فلو فرض مجهوليّة زيد لدى المخاطب يقال له «أكرم ابن عمرو» وحيث يخطئ الواقع ينكشف أنّه لم يكن حكم بالاحتياط حينئذ وإنّما هو صورة حكم متخيّلة وحينئذ فأين اجتماع الحكمين المتضادّين؟