هذا كلّه بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام ، وإلّا فلو قلنا بعدم جريانه في الأحكام للمعارضة بل يختصّ بالشبهات الموضوعيّة فلا يحتمل حينئذ أن تكون العبرة باتّحاد الموضوع لسان الدليل ، لعدم لسان دليل في الشبهات الموضوعيّة ، بل يتردّد الأمر بين أن تكون العبرة نظر العقل أو العرف ، فافهم وتأمّل.
الأمر الثاني : في أنّ قاعدة اليقين هل تستفاد من أخبار الاستصحاب أم لا؟
قد ذكرنا الأخبار الواردة في باب الاستصحاب وبيّنّا دلالتها على حجّيّة الاستصحاب ، وإنّما يقع الكلام في أنّ هذه الأخبار هل يمكن أن تدلّ على قاعدة اليقين مضافا إلى دلالتها على الاستصحاب أم لا يمكن؟ المعروف أنّه لا يمكن ذلك.
وربّما يقال : إنّ هذه الأخبار وان كان موردها الاستصحاب إلّا أنّ المورد لا يخصّص الوارد ، فهي بعموم اليقين فيها والشكّ شاملة لكلّ يقين وشكّ ، سواء كان اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء أو كان الشكّ ساريا إلى الحدوث بحيث تبدّل ذلك اليقين في ظرفه إلى الشكّ واحتمل كونه جهلا مركّبا ، وقد اختار الشيخ الأنصاري قدسسره عدم استفادة قاعدة اليقين من هذه الأخبار (١) نعم يمكن أن تكون قاعدة اليقين حجّة بغير هذه الأخبار ، أمّا هذه الأخبار فيستحيل دلالتها على كلتا القاعدتين ، وحيث إنّ موردها الاستصحاب فهي صريحة في حجّيته.
وقد ذكر الميرزا النائيني قدسسره (٢) وجوها ثلاثة أثبت بها استحالة أن يراد من الأخبار كلتا القاعدتين ثبوتا ، ـ وما ذكره في الحقيقة توضيح لكلام الشيخ الأنصاري قدسسرهما ـ :
الوجه الأوّل : أنّ حمل الأخبار على الاستصحاب يقتضي كون اليقين بالحدوث متحقّقا والشكّ في البقاء ، وحملها على قاعدة اليقين يقتضي كون اليقين منتفيا
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٠٢.
(٢) أجود التقريرات ٤ : ١٨٨ ـ ١٩٠.