وإنّما تظهر الثمرة في صورة القدرة عليهما معا فعلى تقدير كون وجوبهما تعيينيّا يجب الإتيان بكليهما ، وعلى تقدير كونه تخييريّا لا يجب الإتيان إلّا بأحدهما فهنا أيضا نقول : إنّ المعلوم وجوب أحدهما وقد أتينا به والآخر مشكوك الوجوب ، إذ على تقدير التخييريّة يسقط وجوبه وعلى تقدير التعيينيّة لا يسقط فينفى وجوبه بالبراءة حينئذ.
وما يقال : من أنّ وجوبه قبل الإتيان بالثاني متيقّن وبعد الإتيان به يشكّ في سقوط الوجوب فيستصحب فلا تجري البراءة ، مندفع بأنّ وجوبه بخصوصه قبل الإتيان بالثاني غير معلوم لإمكان وجوب الجامع ، وإذا كان الجامع واجبا سقط الوجوب بالإتيان بالثاني قطعا.
هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير حيث يكون منشأ الإشكال والدوران هو الشكّ في كيفيّة جعل الشارع.
وأمّا القسم الثاني وهو ما إذا علم أنّ الشارع جعل وجوبين بنحو التعيين قطعا مثل وجوب إنقاذ الغريق ، فلو أنّ غريقين في الماء ويتمكّن المكلّف من إنقاذهما معا فقد جعل الشارع عليه إنقاذ كلّ منهما ، فالوجوب معلوم التعينيّة في مقام الجعل ، فإذا لم يقدر المكلّف إلّا على إنقاذ أحدهما ، فإذا كان يعلم كون أحدهما نبيّا والآخر ليس بنبيّ فيتقدّم الأهمّ وهو وجوب إنقاذ النبي ، وإن كان يعلم تساويهما فيتخيّر. فلو شكّ في تساويهما فاحتمل التساوي واحتمل أيضا كون الّذي على جهة اليمين نبيّا فهنا يدور الأمر بين التخيير على تقدير التساوي والتعيين على تقدير كون الّذي على جهة اليمين نبيّا.
ولا يخفى عليك أنّا ذكرنا في مبحث الترتّب أنّ التزاحم لا يكون بين أصل الجعلين ؛ لأنّه لا مانع من أن يكلّف تكليفين كلّ منهما مشروط بالقدرة ، وإنّما يكون التزاحم بين إطلاق الجعلين في مقام الثبوت ، فهنا جعل وجوبين لإنقاذ غريقين مشروطا كلّ منهما بالقدرة لا مانع منه ، وإنّما المانع هو إطلاقهما فإنّ كون الوجوبين