وبعبارة اخرى الشكّ في الإطلاق والاشتراط الثبوتيين يقتضي الحكم بكون التكليف مشروطا ؛ لأنّه عند حصول شرطه واجب قطعا إمّا لأنّه مطلق أو لأنّه مشروط وقد تحقّق شرطه ، وعند عدم حصول شرطه ليس بمعلوم الوجوب فيرفع وجوبه بحديث الرفع.
فلا يخفى عليك ما فيه ، وذلك أنّ ما ذكره متين حيث يكون الشكّ راجعا إلى أصل الجعل ولم يحرز الملاك ، وأمّا في مثل مقامنا حيث يحرز ملاك كلا الحكمين ويكون خطابهما مطلقا بحسب جعله وإنّما نشأ الاشتراط من التزاحم الواقع بينهما في مرحلة الامتثال فلا ؛ لأنّ ملاك كلّ من الحكمين محرز حتّى في صورة التزاحم والإتيان بمحتمل الأهميّة مفرغ يقينا ؛ لأنّه إمّا مطلق إذا كان أهمّ واقعا ، وإمّا مشروط بعدم الإتيان بعدله والشرط موجود ، بخلاف الإتيان بغيره فإنّه وإن كان على تقدير الاشتراط محرز الشرط وهو عدم الإتيان بعدله إلّا أنّه على تقدير أهميّة عدله لا يجوز للمكلّف صرف قدرته فيه مع أهميّة عدله ، فالعقل لا يسوّغ له حينئذ ترك محتمل الأهميّة والإتيان بعدله أصلا والعقل هو المحكّم في مقام الامتثال ، فافهم.
وأمّا القسم الثالث : وهو الشكّ في التعيين والتخيير في الحجّية فكون القاعدة فيه التعيين أوضح ؛ لأنّ الأصل في الشكّ في الحجّية عدمها ، وحينئذ فلو شكّ في كون الأعلم واجب الاتّباع تعيينا أو تخييرا بينه وبين غيره فالأصل عدم حجّية فتوى غير الأعلم وعدم جعل طريقيّتها له ، بخلاف فتوى الأعلم فإنّها حجّة قطعا إمّا لأنّها بخصوصها حجّة وإمّا لأنّها أحد طرفي التخيير ، إذ لا يحتمل تعيّن تقديم فتوى غير الأعلم على فتوى الأعلم أصلا وهو واضح ، هذا في الشبهة الحكميّة ، وكذا في الشبهة الموضوعيّة فإنّا لو أحرزنا أنّ الأعلم واجب الاتّباع ودار أمر الأعلم بين زيد وعمرو واحتملنا تساويهما واحتمال أعلميّة أحدهما بخصوصه وهو زيد مثلا فليس له أن يقلّد عمروا ؛ لأنّ زيدا قد جعل الشارع فتواه حجّة في حقّ هذا المقلّد بخلاف عمرو فإنّ حجّية فتواه بالنسبة إلى هذا المقلّد مجهولة ، والأصل عدمها.