عدم الجريان في المقام ليس من جهة الأصل المثبت ، بل من جهة المعارضة فإنّا لو بنينا على حجّية المثبت من الاصول لم يجر البراءة هنا لا لأنّها مثبت ، بل لأنّها معارضة بالطرف الثاني.
وإن أراد غير هذا فهو يتصوّر على صورتين :
إحداهما : أن يكون ترتّب الحكم الإلزامي على جريان البراءة ترتّبا عقليّا كما إذا كان من جهة المزاحمة ، مثلا الآن هو شاكّ في وجود نجاسة في المسجد ليرتفع أمر الصلاة الموسّع بمقدار الإزالة أو إطلاق أمر الصلاة ، أم لا نجاسة في المسجد ليبقى أمر الصلاة أو إطلاقه ، فإذا أجرى البراءة من وجوب الإزالة فيبقى أمر الصلاة أو إطلاقه بحاله ، فهنا ليس البراءة هي المثبتة لحكم الصلاة ، بل إطلاق أمر الصلاة هو المثبت والمقتضي لوجوب الصلاة والبراءة إنّما رفعت المانع وهو المزاحمة ، فهنا تجب الصلاة ولا يقال بأنّ أصل البراءة لا يثبت حكما.
الصورة الثانية : أن يكون ترتّب الحكم على الإباحة ترتّبا شرعيّا وهو على وجهين أيضا :
الأوّل : أن يترتّب الحكم الإلزامي على الإباحة الواقعيّة ، مثلا إذا نذر أنّه إذا ابيح له التصرّف في مائة دينار إباحة واقعيّة يتصدّق بدرهم ، وشكّ في إباحة هذه المائة له وجواز تصرّفه فيها وعدمه ، فالبراءة من وجوب الاجتناب لا تجدي في ثبوت الحكم الإلزامي إلّا أنّه لأجل عدم تحقّق موضوع وجوب التصدّق وهو الإباحة الواقعيّة ، والبراءة الجارية إنّما أثبتت الإباحة الظاهريّة ، فعدم الثبوت لعدم الموضوع لا لأنّ البراءة لا يثبت حكما إلزاميّا.
الثاني : أن يترتّب الحكم الإلزامي على الأعمّ من الإباحة الظاهريّة والواقعيّة ، وهذا إذا جرت البراءة وثبتت الإباحة يتوجّه ويترتّب ذلك الحكم الإلزامي قطعا.
فقد ظهر أنّ ما ذكره التوني في الشرط الثاني غير تامّ.
هذا تمام الكلام في شرائط الاصول.