أقول : ولا يخفى عليك أوّلا أنّه مناقض لما ذكره قبل ليلة كما هو مسطور من أنّ الأمارة مأخوذ في موضوعها عدم العلم واستشهاده بقوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) ودلالتها على حجّية فتوى المفتي أو خبر الواحد ، مضافا إلى أنّ جميع الأدلّة الدالّة على حجّية الأمارات موضوعها عدم العلم مثل آية النبأ (٢) فإنّ قوله : (فَتَبَيَّنُوا) ظاهر في كونهم غير متبيّن لهم الأمر فهم جاهلون به ، وكذا قوله : «الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين أو تقوم به البيّنة» (٣) الظاهر في أنّه غير مستبين قبل قيامها ، وكذا قوله : «فللعوام أن يقلّدوه» (٤) وكذا غيرها (٥) ، وكلّها كما ترى قد اخذ في موضوعها عدم العلم.
فالأولى أن يقال في وجه تقديم الأمارة : إنّ الشارع فرضها علما فلا يرى فيها شكّا أصلا ، وحينئذ فلا يجري الاستصحاب لعدم الشكّ ، وهذا واضح ، وفي الاستصحاب الشكّ باق إلّا أنّه لا حكم له بحكم الشارع فلا يمكن أن يجري الأصل المحض حينئذ لعدم حكم لهذا الشكّ الموجود ، فافهم وتأمّل حينئذ.
ثمّ إنّه بعد ما ذكرنا نتكلّم في وجه عدم حجّية الأصل المثبت في الاستصحاب وعدم ترتيب ما للآثار العقليّة الثابتة للمستصحب في الاستصحاب وترتيبها في الأمارات فنقول : ذهب الآخوند قدسسره (٦) إلى أنّ الأمارات بما أنّها ناظرة إلى الواقع فمؤدّاها بدليل حجّيتها هو ثبوت الموضوع الواقعي تعبّدا ، وحينئذ فإذا ثبت الواقع بهذا الخبر مثلا ، فدليل حجّية الخبر يجعل المخبر به ثابتا واقعا ، ومن المعلوم أنّ المخبر
__________________
(١) النحل : ٤٣ ، والأنبياء : ٧.
(٢) الحجرات : ٦.
(٣) الوسائل ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.
(٤) الوسائل ١٨ : ٩٥ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠.
(٥) مثل : عليك بالأسدي ، المصدر السابق : الباب ١١ ، الحديث ١٥.
(٦) كفاية الاصول : ٣٢١.