لا يعقل أن يتكفّل للعموم وأنّه استمراري أو لا ، إذ أنّ إثبات الاستمرار إنّما يكون بعد تحقّق الحكم وثبوته ، فلا بدّ من أن يكون دليل الاستمرار للعموم أو الاستغراقيّة مستفادا من دليل آخر غير دليل نفس الحكم إذ العموم إنّما يثبت بعد تحقّق الحكم ، فكيف يتكفّل به نفس دليل الحكم؟
ثمّ إنّ التخصيص كما يتناول العموم الاستغراقي أيضا يتناول العموم المجموعي ، فإنّ قوله : أكرم العشرة ، إذا استثنى منهم زيدا يكون تخصيصا قطعا ، وحينئذ فالتخصيص كما يتناول العموم الاستغراقي يتناول العموم المجموعي أيضا. وحينئذ فإذا كان الحكم واردا على المتعلّق العامّ ، سواء كان عمومه مجموعيّا أو استغراقيّا قيدا أو ظرفا لا يختلف الحال في ذلك في أنّه بعد زمن التخصيص يتمسّك بالعموم ، إذ خروج فرد من أفراد العموم الأزماني الطوليّة لا يستدعي خروج آخر ، فيبقى الآخر تحت عموم العامّ.
وهذا بخلاف الصورة الثانية وهي ما لو ورد العموم الأزماني على نفس الحكم ، فإنّ معناه أنّ الحكم لم يكن عامّا مستمرّا ، وحينئذ فثبوت هذا الحكم بعد زمن التخصيص غير معلوم (إذ الاستمرار إمّا أن يستفاد من دليل جعل الحكم ولا يمكن في المقام لفرضه مجملا من هذه الجهة ، وإمّا أن يستفاد من دليل الاستمرار ، والمفروض أنّ دليل الاستمرار إنّما يدلّ على استمرار الحكم الثابت وثبوته من أوّل الأمر في هذا الزمان مجهول) (١). فلا يمكن التمسّك فيه بالعموم لعدم العموم في الحكم ، فيتمسّك حينئذ بالاستصحاب بحيث لو لا الاستصحاب لما جرى العموم أيضا إذ لم يعلم الاستمرار.
ولا يمكن المساعدة على ما ذكره ، لعدم الفرق بين المقامين إذ ما ذكره من عدم إمكان أخذ العموم والاستمرار من نفس دليل الحكم إنّما يتمّ إذا كان في مقام الجعل ، فإنّ جعل الحكم باللزوم لا يمكن أن يتصوّر فيه أنّه مستمرّ أم لا ، إذ لا بدّ في الحكم
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.