لا أمارة فيحرز الحلّية الواقعيّة ، ومثاله ما لو شكّ في الحيوان أنّه جلّال أم لا ، فباستصحاب عدم الجلل تثبت الحلّية الواقعيّة فتصحّ الصلاة حينئذ ، في أجزائه بناء على شمول تحريم الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه للحرمة الذاتيّة والعرضيّة ، فإنّ الاستصحاب نفى الحرمة وأثبت الحلّية الواقعيّة تعبّدا ، وهذا بحسب الظاهر واضح.
وإنّما الكلام في وجه تقدّم الأصل السببي على الأصل المسبّبي مع كون الدليل بالنسبة إلى كلّ منهما على حدّ سواء ، فلم يقدّم الأصل السببي ليرتفع الشكّ في المسبّب؟ لم لا يعكس الأمر فيجري في المسبّب أوّلا ولا يجري في السبب؟ وأحسن ما افيد في وجه ذلك هو ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (١) :
وتوضيحه : أنّ الحكم في كلّ قضيّة إنّما هو على تقدير وجود الموضوع ، والقضيّة المتكفّلة للحكم غير متكفلة لوجود موضوعها أصلا ، نظير قولنا : الخمر نجس ـ مثلا ـ يعني على تقدير وجود خمر في الخارج فهو محكوم شرعا بالنجاسة ، وقد ذكرنا أنّ القضيّة الحقيقيّة تؤول إلى قضيّة شرطيّة وحمليّة مرارا كثيرة ، وحينئذ فالسبب باعتبار تحقّق الشكّ فيه المسبوق باليقين فهو موضوع للاستصحاب قطعا ، وبجريان الاستصحاب فيه يرتفع الشكّ في المسبّب تعبّدا ، فيخرج المسبّب عن كونه فردا لما تحقّق فيه اليقين والشكّ لارتفاع الشكّ عنه بحكم الشارع المقدّس.
ولو عكسنا الأمر فأجرينا الاستصحاب في المسبّب أوّلا لكان عدم جريانه حينئذ في السبب إمّا بغير وجه وهذا باطل ، وإمّا لشموله للمسبّب وهذا وجه يلزم منه الدور ، وذلك لأنّ شمول الدليل ـ يعني دليل الاستصحاب ـ للمسبّب موقوف على عدم شموله للسبب وإلّا فلو شمل السبب انتفى موضوع الاستصحاب في المسبّب كما بيّناه ، فلو كان عدم شموله للسبب بلا سبب لزم التخصيص بلا وجه ، وإن كان بسبب شموله للمسبّب لزم الدور الواضح ، فيدور الأمر بين التخصّص لو شمل دليل
__________________
(١) انظر الكفاية : ٤٩٠ ـ ٤٩١.