مثال الأوّل أن يعلم طهارة كلّ من الإناءين ثمّ يعلم إجمالا بوقوع قطرة بول في أحدهما ، فهنا جريان كلا الاستصحابين يلزم منه مخالفة عمليّة قطعيّة لحكم إلزامي ، فإنّ حرمة تناول النجس مثلا أو حرمة الوضوء به حكم إلزامي ، فإجراء استصحاب الطهارة في كليهما فيه مخالفة عمليّة فيتساقط الاستصحابان ويرجع بعد تساقطهما إلى قاعدة الاشتغال.
ومثال الثاني أن ينعكس المثال الأوّل بأن يقطع بنجاسة كلّ من الإناءين ثمّ يعلم بطهارة أحدهما لإصابة المطر ، فهنا استصحاب النجاسة لا يلزم منه مخالفة عمليّة ، لأنّ غايته أن يكون أحدهما طاهرا ويجتنبه بموجب الاستصحاب فهو تارك لأمر مباح ، لأنّ الطاهر لا يجب تناوله.
وقد وقع الكلام بين الأعلام في جريان الاستصحاب هنا وعدمه فذهب الشيخ الأنصاري قدسسره (١) وتبعه الميرزا النائيني (٢) وجماعة (٣) إلى عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ، وذهب الآخوند قدسسره إلى جريان الاستصحاب (٤) وتظهر الثمرة في الملاقي لأحد الإناءين ، فهو على الأوّل طاهر لأنّه ليس طرفا للعلم الإجمالي ، وعلى الثاني نجس لملاقاته مستصحب النجاسة.
وقد ذكر الشيخ في مقام الاستدلال على عدم جريان الاستصحاب مانعا إثباتيّا ، ولكنّ الميرزا قدسسره ذكر مانعا ثبوتيّا.
أمّا ما ذكره الشيخ فملخّصه : أنّ دليل الاستصحاب بالنسبة إلى أطراف العلم الإجمالي مجمل ، لأنّ فيها لفظ «شكّ» في قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ»
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٩٣ و ٢ : ٢٠٠.
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٩٢ و ٤١٥.
(٣) منهم المحقّق العراقي في نهاية الأفكار ٣ : ٤٦ ـ ٤٧ ، والسيّد الحكيم في حقائق الاصول ٢ : ٤٩.
(٤) كفاية الاصول : ٣١٣.