نعم ، لو كان المنشأ المضادّة بين الحكمين لم يكن فرق كما ذكره الآخوند قدسسره وسيأتي الكلام فيما ذكره : من أنّ الحكم الواقعي قد يكون فعليّا من بعض الجهات ، وردّه بأنّه إمّا أن يكون فعليّا إذا تحقّق موضوعه بجميع قيوده وإلّا فلا يكون فعليّا ، فالفعليّة من بعض الجهات أمر لا نتعقّله) (١).
وأمّا قياس المقام بالشبهة الغير المحصورة فإن قلنا بأنّ الشبهة الغير المحصورة هي عبارة عن كون الشبهة كثيرة الأطراف ـ ككونها خمسين طرفا مثلا ـ وجوّزنا ارتكاب جميع الأطراف كان النقض واردا لا محيص عنه ، لكنّ المناط في كون الشبهة غير محصورة إنّما هو عدم قدرة المكلّف على المخالفة القطعيّة ، لأنّ الأفراد غير مقدورة له كلّها ، أو لخروج بعضها عن كونها محلّا لابتلائه. فالشبهة الغير المحصورة المجوّزة للارتكاب فيها ليس صرف كونها غير محصورة ، بل إمّا كون بعض الأطراف فيها غير مقدور للمكلّف مثلا أو خارجا عن محلّ ابتلائه.
نعم ، قد يحكم الشارع بجواز ارتكاب بعض الأطراف أو كلّها في غير المحصورة من جهة أنّ التزام تركها حينئذ عسر أو حرج أو ضرر أو غير ذلك. وحينئذ فقد ظهر أنّ مرتبة الحكم الظاهريّ غير محفوظة مع العلم الإجمالي بالشيء.
ثمّ إنّه لو تنزّلنا فقلنا بحفظ مرتبة الحكم الظاهري في أطراف العلم الإجمالي وإمكان جعله فهل هو واقع أم لا؟ بمعنى أنّ أدلّة الاصول هل تكون شاملة لأطراف العلم الإجمالي أم لا؟ يظهر من الشيخ الأنصاري قدسسره (٢) عدم الشمول ، وذلك لزعمه الإجمال الناشئ من المنافاة بين الصدر والذيل لو عمل بعمومهما أو إطلاقهما فإنّ صدر الخبر مثل قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» إن شمل الشكّ البدوي والمقرون بالعلم الإجمالي كليهما كان منافيا للذيل ، لأنّ قوله : «ولكن انقضه بيقين مثله»
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) انظر الفرائد ١ : ٨٦ و ٩٣.