النسبة كما ذكره الميرزا النائيني قدسسره تصوّره مساوق للتصديق به لا يحتاج إلى مئونة بيان وإقامة برهان (١). فلنشرع في الأمثلة توضيحا للمقصود ولنذكر الأمثلة المتعارضة ، سواء كان تعارضها بدويّا أم مستقرّا ، وسواء كان تعارضها الّذي هو بين أكثر من دليل واحد موجبا لانقلاب النسبة أم لم يكن موجبا لذلك.
فنقول : إنّ العامّ إذا ورد مثلا وورد بعده خاصّان فإمّا أن يكون الخاصّان متباينين ، أو يكون بينهما عموم من وجه ، أو يكون بينهما عموم مطلق.
مثال الأوّل كأن يقول : أكرم العلماء ، ثمّ يقول بعد فصل : لا تكرم البصريّين من العلماء ، ويقول أيضا : لا تكرم البغداديّين من العلماء ، وفي مثل هذا لا تنقلب النسبة أصلا فيخصّص العموم بكلا المخصّصين إذا لم يكن محذور في التخصيص ، لأنّ تخصيص العلماء بالبغداديّين لا يوجب ارتفاع عمومه بالإضافة إلى البصريّين بل عمومه باق ، غاية الأمر إنّه صار أضيق منه قبل التخصيص.
وقد يكون هناك مانع من تخصيص العموم بكلا المخصّصين من قلّة الفرد الباقي بحيث يستهجن التخصيص إلى ذلك الحدّ أو عدم الفرد له أصلا ، فهنا يقع التعارض بين العموم وأحد الخاصّين وبين الخاصّ الآخر مثلا إذا ورد : يستحب إكرام العلماء ، ثمّ ورد : يجب إكرام عدول العلماء ، وورد أيضا : يحرم إكرام فسّاق العلماء ، فهنا يقع التعارض بين العام وأحد الخاصّين وبين الخاصّ الآخر ، ضرورة أنّ تخصيص العامّ بكلا هذين المخصّصين يوجب عدم بقاء فرد له بناء على نفي الواسطة بين الفاسق والعادل ، وقلّة الباقي بناء على ثبوت الواسطة.
والسرّ في تحقّق المعارضة هو أنّ العامّ ظاهر في العموم لكنّه نصّ في بعض أفراده ، فعدم إبقاء تلك الأفراد حينئذ يوجب المعارضة ، لاستحالة صدور العامّ والمخصّصين معا من المولى الحكيم وهو واضح. وحينئذ فينبغي الرجوع إلى مرجّحات باب
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٤ : ٣٠١.