ألا ترى انه لو شك فى وجود باقى الاجزاء المعلومة كأن لم يعلم انه اتى بها ام لا كان مقتضى العقل والاستصحاب وجوب الاتيان بها والفارق بين ما نحن فيه وبين الشبهة الحكمية من المسائل المتقدمة التى حكمنا فيها بالبراءة هو ان نفس التكليف فيها مردد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا وبين تعلقه بالمشكوك وهذا الترديد لا حكم له بمقتضى العقل لان مرجعه الى المؤاخذة على ترك المشكوك وهى قبيحة بحكم العقل فالعقل والنقل الدالان على البراءة مبينان لتعلق التكليف بما عداه من اول الامر فى مرحلة الظاهر واما ما نحن فيه فمتعلق التكليف فيه مبين معلوم تفصيلا لا تصرف للعقل والنقل فيه وانما الشك فى تحققه فى الخارج باتيان الاجزاء المعلومة والعقل والنقل المذكوران لا يثبتان تحققه فى الخارج بل الاصل عدم تحققه والعقل ايضا مستقل بوجوب الاحتياط مع الشك فى التحقيق.
والحاصل ان الثابت عند جميع الاديان والملل بحيث لا يعتريه ريب ولا الخلل انه اذا اشتغل الذمة بتكليف مبيّن معلوم من حيث الحكم والموضوع وطرأ الشك فى طريق اطاعته فلا يرتفع ذلك التكليف الا بالامتثال اليقينى.
(ولكن فى تمثيله قدسسره) لما نحن فيه بما فى الكتاب مجال للمناقشة.
(اما المثال الاول) فلا تعلق له بالمقام اذ مفروض الكلام فى الاقل والاكثر الارتباطيين وصوم كل يوم تكليف مستقل فى الشريعة المقدسة وان قلنا بكفاية نية واحدة عن تمام الشهر كما عن بعض الفقهاء فان القول بذلك ليس من جهة كون صوم الشهر عنده تكليفا واحدا بحيث لو لم يمتثل الامر فى بعض الايام نسيانا او عمدا بطل صومه فيما صامه من الايام فان احدا من علماء الاسلام لم يقل بذلك.