أعظم على الكفرة ، وأفتّ في أعضادهم ، وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم ، إذا اجتمع توبيخ الله وتشكّي أنبيائه عليهمالسلام. ومثاله : أن ينكب بعض الخوارج على السلطان خاصّة من خواصّه بليّة قد عرفها السلطان ، واطّلع على كنهها ، وعزم على الانتصار له منه ، فيجمع بينهما ويقول له : ما فعل بك هذا الخارجي؟ وهو عالم بما فعل به ، يريد به توبيخه وتبكيته ، فيقول له : أنت أعلم بما فعل بي ، تفويضا للأمر إلى علم السلطان ، واتّكالا عليه ، وإظهارا للشكاية ، وتعظيما لما حلّ به منه.
وقيل : من هول ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب ، ثمّ يجيبون بعد ما يرجع إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم.
وقيل : المعنى : لا علم لنا إلى جنب علمك ، فإنّ علمنا ساقط مع علمك ومغمور به ، لأنّك علّام الغيوب ، ومن علم الخفيّات لم تخف عليه الظواهر الّتي منها إجابة الأمم لرسلهم ، فكأنّه لا علم لنا إلى جنب علمك.
وقيل : لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا ، وإنّما الحكم للخاتمة. وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه ، زرق العيون ، موبّخين.
قال الحاكم (١) أبو سعيد الجشمي عليه ما عليه في تفسيره : إنّها تدلّ على بطلان قول الإماميّة إنّ الأئمّة يعلمون الغيب.
ونحن نقول : إنّ هذا القول ظلم منه لهؤلاء القوم ، فإنّا لا نعلم أحدا منهم بل أحدا من أهل الإسلام يصف أحدا من الناس أنّه يعلم الغيب ، ومن وصف مخلوقا بذلك فقد فارق الدين ، والشيعة الإماميّة برآء من هذا القول ، فمن نسبهم إلى ذلك فالله فيما بينه وبينهم.
__________________
(١) أبو سعد الجشمي هو المحسّن بن محمد بن كرّامة ، مفسّر ، عالم بالأصول والكلام ، حنفيّ ثم معتزليّ فزيدي ، وهو شيخ الزمخشري ، ولد سنة ٤١٣ ، وتوفّي مقتولا بمكّة عام ٤٩٤.
راجع الأعلام للزركلى ٦ : ١٧٦.