الذنوب والمعاصي ، لأنّه بيّن أنّهم يستحقّون العذاب العظيم في الآخرة ، مع إقامة الحدود عليهم. وليس في الآية أنه يفعل بهم ذلك لا محالة ، لأنّه يجوز أن يعفو الله عنهم ، ويتفضّل عليهم بإسقاط ما يستحقّونه من العذاب.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) استثناء مخصوص بما هو حقّ الله تعالى. ويدلّ عليه قوله : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). أمّا القتل والجرح قصاصا وأخذ المال فإلى الأولياء ، إن شاؤا عفوا ، وإن شاؤا استوفوا. وتقييد التوبة بالتقدّم على القدرة يدلّ على أنّها بعد القدرة لا تسقط الحدّ ، بل يجب إقامة الحدّ عليه ، وإن أسقطت العذاب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥))
ولمّا تقدّم ذكر القتل والمحاربين ، عقّب ذلك بالموعظة والأمر بالتقوى عن المعاصي والمفاسد ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أي : ما تتوسّلون به إلى ثوابه والزلفى عنده ، من فعل الطاعات وترك المعاصي وسائر المقبّحات ، من : وسل إلى كذا ، إذا تقرّب إليه. وقيل : الوسيلة أفضل درجات الجنّة.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنّها درجة في الجنّة ، لا ينالها إلّا عبد واحد ، وأرجو أن أكون أنا هو».
وروى الأصبغ بن نباتة عن عليّ عليهالسلام : «في الجنّة لؤلؤتان إلى بطنان العرش ، أحدهما بيضاء ، والأخرى صفراء ، في كلّ واحدة منهما سبعون ألف غرفة ، فالبيضاء الوسيلة لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته ، والصفراء لإبراهيم وأهل بيته».
(وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ