فمن هنا قد يقوى في النظر خلافه ، فإنّا وإن جزمنا بطهوريّة التيمّم وكونه بمنزلة الوضوء والغسل لمن لم يجد الماء لكن مع ذلك لا يبعد الالتزام بمقالة المشهور في المقام بدعوى : أنّه يستفاد من الأدلّة الشرعيّة أنّ الطهارة ـ التي هي شرط في الصلاة بل مطلق الطهارة وإن لم تبلغ مرتبة يستباح بها الصلاة ـ صفة وجوديّة تحصل بأسبابها ، كما قوّينا ذلك في محلّه ، وأنّ الحدث قذارة معنويّة حادثة بأسبابها مخالفة للأصل مانعة من الدخول في الصلاة ، كما نفينا البعد عن ذلك ، بل قوّيناه بالنسبة إلى الحدث الأكبر ، فنلتزم بعدم المضادّة بين ذاتيهما ، بل التنافي إنّما هو بين أثريهما من جواز الدخول في الصلاة والامتناع منه ، كما إليه يؤول ما هو المشهور من أنّ التيمّم مبيح للصلاة ، وليس برافع ؛ لما أشرنا إليه من أنّهم لم يقصدوا بذلك على الظاهر استباحتها بلا شرط ؛ فإنّ من المستبعد التزامهم بذلك.
وكيف كان فنمنع المضادّة بين الوصفين. وقياسهما على النظافة والقذارة الصوريّة فاسد ، لم لا يجوز أن يكون كالمستحاضة (١) التي اغتسلت ـ وكذا المسلوس والمبطون ـ واجدة للحدث والطهارة التي هي شرط في الصلاة حقيقة؟ وإذا جاز ذلك فنقول : أمّا غسل الجنابة ـ مثلا ـ فهو رافع للقذارة الحادثة بالجنابة ، ومفيد للطهارة التي هي شرط في الصلاة ، وأمّا سائر الأغسال فإن قلنا بالاجتزاء بها عن الوضوء ، فكغسل الجنابة ، وإلّا فهي مع كونها مزيلة للحدث تفيد مرتبة في الطهارة لا تبلغ هذه المرتبة.
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «المستحاضة». والظاهر ما أثبتناه.