ولم يكن يومئذ خلق غيرهما والماء يومئذ عذب فرات ، فلما أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم ازبد فصار زبدا واحدا. فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ، ثم دحى الأرض من تحته فقال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد أن يخلق السماء امر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها ، فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر ، وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر ، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
٣٣ ـ حدثني أبى عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الأحول عن سلام بن المستنير عن ثوير بن أبى فاختة عن على بن الحسين عليهماالسلام ونقل حديثا طويلا يقول فيهعليهالسلام: وتبدل الأرض غير الأرض ، يعنى بأرض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها الجبال ولا نبات كما دحاها أول مرة.
٣٤ ـ في نهج البلاغة كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة ، ولجج بحار زاخرة ؛ يلتطم أو أذى أمواجها ، وتصطفق متقاذفات اثباجها ، وترغو زبدا كالفحول عند هياجها ، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها ، وسكن هيج ارتمائه إذ وطأته بكلكلها ، وذل مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها ، فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا. وفي حكمة الذي منقادا أسيرا ، وسكنت الأرض مدحوة في لجة تياره ، وردت من نخوة بأوه واعتلائه ، وشموخ أنفه وسمو غلوائه ، وكعمته على كظة جريئة فهمد بعد نزقاته ولبد بعد زيفان وثباته (١).
__________________
(١) كبس الأرض : اى أدخلها في الماء بقوة واعتماد شديد. والمور : مصدر مار : اى ذهب وجاء. قولهعليهالسلام «مستفحلة» اى هائجة هيجان الفحول. واستفحل الأمر. تفاقم واشتد. زخر الماء امتد جدا وارتفع. والاواذى جمع آذى وهو الموج. وتصطفق : يضرب بعضها بعضا. والاثباج هاهنا أعالى الأمواج وأصل القبج : ما بين الكاهل الى الظهر فنقل الى هذا الموضع استعارة والرغاء : صوت البعير وغيره من ذوات الخف. وجماح ـ