معناه : أمّا إذ أوينا فإنّي ، أو تنبّه إذ أوينا ، وليست الفاء إلّا جوابا ل «أرأيت» لأنّ «إذ» لا يصحّ أن يجازى بها إلّا مقرونة ب «ما» بلا خلاف».
قال الزمخشريّ : «أرأيت» بمعنى «أخبرني» فإن قلت : ما وجه التئام هذا الكلام ، فإنّ كلّ واحد من «أرأيت» ومن «إذ أوينا» ومن (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) لا متعلق له.
قلت : لمّا طلب موسى الحوت ، ذكر يوشع ما رأى منه ، وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية ، ودهش ، فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك ، كأنه قال : أرأيت ما دهاني ، إذ أوينا إلى الصخرة ، فإنّي نسيت الحوت ، فحذف ذلك.
قال أبو حيّان : وهذان مفقودان في تقدير الزمخشريّ : «أرأيت بمعنى أخبرني» يعني بهذين ما تقدّم في كلام الأخفش من أنّه لا بدّ بعدها من الاسم المستخبر عنه ، ولزوم الاستفهام الجملة التي بعدها.
قال النوويّ في «التهذيب» يقال : أوى زيد بالقصر : إذا كان فعلا لازما ، وآوى غيره بالمدّ : إذا كان متعدّيا ، فمن الأول هذه الآية قوله : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ).
ومن المتعدّي قوله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) [المؤمنون : ٥٠].
وقوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) [الضحى : ٦].
هذا هو الفصيح المشهور ، ويقال في كلّ واحد بالمدّ والقصر ، لكن بالقصر في اللازم أفصح ، والمدّ في المتعدّي أفصح وأكثر.
قوله : (وَما أَنْسانِيهُ) قرأ (١) حفص بضم الهاء ، وكذا في قوله : (عَلَيْهُ اللهَ) في سورة الفتح [آية : ١٠] ، قيل : لأنّ الياء هنا أصلها الفتح ، والهاء بعد الفتحة مضمومة ، فنظر هنا إلى الأصل ، وأمّا في سورة الفتح ؛ فلأنّ الياء عارضة ؛ إذ أصلها الألف ، والهاء بعد الألف مضمومة ، فنظر إلى الأصل أيضا.
والباقون بالكسر نظرا إلى اللفظ ، فإنّها بعد ياء ساكنة ، وقد جمع حفص في قراءته بين اللغات في هاء الكناية : فإنه ضمّ الهاء في «أنسانيه» في غير صلة ، ووصلها بياء في قوله : (فِيهِ مُهاناً) [الفرقان] على ما سيأتي ، إن شاء الله تعالى ، وقرأ كأكثر القراء فيما سوى ذلك.
وقرأ الكسائي «أنسانيه» بالإمالة.
قوله : (أَنْ أَذْكُرَهُ) في محلّ نصب على البدل من هاء «أنسانيه» بدل اشتمال ، أي: أنساني ذكره.
__________________
(١) ينظر في قراءاتها : السبعة ٣٩٤ ، والتيسير ١٤٤ ، والحجة ٤٢٢ ، والنشر ١ / ٣٠٥ ، والإتحاف ٢ / ٢١٩ ، وإعراب القراءات ١ / ٣٩٩ والبحر ٦ / ١٣٨ ، ١٣٩ ، والدر المصون ٤ / ٤٧١.