وقرأ (١) أبو جعفر في رواية «مفرّطون» بتشديد الرّاء مكسورة من فرّط في كذا ، أي : قصّر ، وفي رواية مفتوحة من فرّطته معدى بالتّضعيف ؛ أي من «فرط» بالتخفيف أي : تقدّم ، وسبق.
وقرأ عيسى (٢) بن عمر والحسن ـ رضي الله عنهما ـ «لا جرم إنّ لهم النار وإنهم» بكسر «إن» فيهما على أنهما جواب قسم ، أغنت عنه : «لا جرم».
ثم بين ـ تعالى ـ أن هذا الصّنع الذي صدر من مشركي قريش ، قد صدر عن سائر الأمم السّابقة في حق أنبيائهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ.
فقال : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي : كما أرسلنا إلى هذه الأمّة ، وهذا تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على فساد قول المجبرة من وجوه :
أحدها : أنّه إذا كان خالق أعمالهم هو الله ـ تعالى ـ ، فلا فائدة في التّزيين.
والثاني : أنّ ذلك التزيين لما كان بخلق الله ـ تعالى ـ لم يجز ذمّ الشيطان بسببه.
والثالث : أنّ ذلك التزيين هو الذي يدعو الإنسان إلى الفعل ، وإذا كان حصول الفعل بخلق الله ـ تعالى ـ كان ضروريا ، فلم يكن التّزيين داعيا.
والرابع : أنّ على قولهم : الخالق لذلك العمل ، أجدر بأن يكون وليا لهم من الدّاعي إليه.
الخامس : أنه ـ تعالى ـ أضاف التزيين إلى الشّيطان ، ولو كان ذلك المزيّن هو الله ـ تعالى ـ لكانت إضافته إلى الشّيطان كذبا.
والجواب : إن كان مزين القبائح في أعين الكفّار هو الشيطان ، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطانا آخر ؛ لزم التّسلسل ، وإن كان هو الله ـ تعالى ـ فهو المطلوب.
قوله : (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) يجوز أن تكون هذه الجملة حكاية حال ماضية ، أي : فهو ناصرهم ، أو آتية.
ويراد باليوم يوم القيامة ، والمعنى : فهو وليّ أولئك الذين زيّن لهم أعمالهم يوم القيامة ، وأطلق اسم اليوم على يوم القيامة لشهرته ، والمقصود أنّه لا وليّ لهم ، ولا ناصر لهم ؛ لأنهم إذا عاينوا العذاب ، وقد نزل بالشّيطان كنزوله بهم ، رأوا أنه لا مخلّص له منه كما لا مخلص لهم منه ؛ جاز أن يوبّخوا بأن يقال لهم : «هذا وليّكم اليوم» على وجه السّخرية.
__________________
(١) ينظر : النشر ٢ / ٣٠٤ ، والإتحاف ٢ / ١٨٥ ، والقرطبي ١ / ٨٠ والبحر ٥ / ٤٩١ ، والدر المصون ٤ / ٣٤٠.
(٢) ينظر : البحر ٥ / ٤٩٠ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٠.