قوله : (وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى)
ش : لما ثبت أنه خاتم النبيين ، علم أن من ادعى بعده النبوة فهو كاذب. ولا يقال : فلو جاء المدعي للنبوة بالمعجزات الخارقة والبراهين الصادقة كيف يقال بتكذيبه؟ لأنا نقول : هذا لا يتصور أن يوجد ، وهو من باب فرض المحال ، لأن الله تعالى لما أخبر أنه خاتم النبيين ، فمن المحال أن يأتي مدّع يدعي النبوة ولا يظهر أمارة كذبه في دعواه. والغي : ضد الرشاد. والهوى : عبارة عن شهوة النفس.
أي : أن تلك الدعوى بسبب هوى النفس ، لا عن دليل ، فتكون باطلة.
قوله : (وهو المبعوث الى عامة الجن وكافة الورى ، بالحق والهدى ، وبالنور والضياء).
ش : أما كونه مبعوثا الى عامة الجن ، فقال تعالى حكاية عن قول الجن : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) الاحقاف : ٣١ ، الآية. وكذا سورة الجن تدل على أنه أرسل إليهم أيضا. قال مقاتل : لم يبعث الله رسولا الى الانس والجن قبله. وهذا قول بعيد. فقد قال تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الانعام : ١٣٠ ، الآية ، والرسل من الانس فقط ، وليس من الجن رسول ، كذا قال مجاهد وغيره من السلف والخلف. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الرسل من بني آدم ، ومن الجن نذر. وظاهر قوله تعالى حكاية عن الجن : (إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) الاحقاف : ٣٠ ، الآية : تدل على أن موسى مرسل إليهم أيضا. والله أعلم.
وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم : أنه زعم أن في الجن رسلا ، واحتج بهذه الآية الكريمة. وفي الاستدلال بها على ذلك نظر لانها محتملة وليست بصريحة ، وهي ـ والله أعلم ـ كقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) الرحمن : ٢٢ والمراد : من أحدهما.
وأما كونه مبعوثا الى كافة الورى ، فقد قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) سبأ : ٢٨. وقد قال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) الاعراف : ١٥٨. وقال تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ