وأما الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات ، ويتركون الجمع والجماعات ، فهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، قد طبع الله على قلوبهم. كما قد ثبت في «الصحيح» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر ، طبع الله على قلبه» (٧٨٨). وكل من عدل عن اتباع سنة الرسول ، إن كان عالما بها فهو مغضوب عليه ، وإلا فهو ضال. ولهذا شرع الله لنا أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وأما من يتعلق بقصة موسى مع الخضر عليهالسلام ، في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني ، الذي يدعيه بعض من عدم التوفيق ـ : فهو ملحد زنديق. فإن موسى عليهالسلام لم يكن مبعوثا الى الخضر ، ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته. ولهذا قال له : أنت موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم (٧٨٩). ومحمد صلىاللهعليهوسلم مبعوث الى جميع الثقلين ، ولو كان موسى وعيسى حيّين (٧٩٠) لكانا من أتباعه ، وإذا نزل عيسى عليهالسلام الى الأرض ، إنما يحكم بشريعة محمد ، فمن ادعى أنه مع محمد صلىاللهعليهوسلم كالخضر مع موسى ، أو جوّز ذلك لأحد من الأمة ـ : فليجدد إسلامه ، وليشهد شهادة الحق ، فإنه مفارق لدين الإسلام بالكلية ، فضلا عن أن يكون من أولياء الله ، وإنما هو من أولياء الشيطان. وهذا الموضع مفرق بين زنادقة القوم وأهل
__________________
(٧٨٨) صحيح ، لكنه لم يروه أحد من أهل «الصحيح» والمراد به البخاري أو مسلّم ، خلافا لما أفاده الشارح وانما رواه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم وصححه الحاكم على شرط مسلم ، فوهم. وسنده حسن ، وله شواهد في «الترغيب» وغيره.
(٧٨٩) هو قطعة من حديث الخضر مع موسى عليهماالسلام ، رواه البخاري في مواضع من «صحيحه» منها «الأنبياء».
(٧٩٠) كذا الأصل ، وكأنه يشير إلى الحديث الذي ذكره شيخه ابن كثير في تفسير سورة (الكهف) بلفظ : «لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي». وهو حديث محفوظ ، دون ذكر عيسى فيه ، فإنه منكر عندي لم أره في شيء من طرقه ، وهي مخرجة في «الإرواء» (١٥٨٩).