أحدهما : تعريف الطريق الموصل إليه ، [وهي شريعته المتضمنة لامره ونهيه.
والثاني : تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه] من النعيم المقيم. فأعرف الناس بالله عزوجل أتبعهم للطريق الموصل إليه ، وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه. ولهذا سمى الله ما أنزله على رسوله روحا ، لتوقف الحياة الحقيقية عليه ، ونورا لتوقف الهداية عليه. فقال الله تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) المؤمن : ١٥. وقال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) الشورى : ٥٢ ، ٥٣. ولا روح الا فيما جاء به الرسول ، ولا نور الا في الاستضاءة به ، وسماه الشفاء ، كما قال تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) فصلت : ٤٤. فهو وان كان هدى وشفاء مطلقا ، لكن لما كان المنتفع بذلك هم المؤمنين ، خصوا بالذكر.
والله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ، فلا هدى الا فيما جاء به.
ولا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول ايمانا عاما مجملا ، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية ، فان ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله ، وداخل في تدبّر القرآن وعقله وفهمه ، وعلم الكتاب والحكمة ، وحفظ الذكر ، والدعاء الى الخير ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعاء الى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ونحو ذلك مما (١) أوجبه الله على المؤمنين ، فهو واجب على الكفاية منهم.
وأما ما يجب على أعيانهم : فهذا يتنوع بتنوع قدرهم ، وحاجتهم ومعرفتهم ، وما أمر به أعيانهم ، ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك. ويجب على من سمع النصوص وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها ، ويجب على المفتي والمحدّث والحاكم ما لا يجب على من ليس كذلك.
__________________
(١) في الاصل : ما.